مدونة الأسرة وأفق الإصلاح المنشود
اختارت الدولة منهجية في تدبير هذا الإصلاح يتمثل في إطلاق بالونات اختبار من خلال تصريحات متتالية لوزير العدل
عبد الإله إصباح
ستعرف مدونة الأسرة إصلاحا جديدا بعد مرور قرابة عشرين سنة على الإصلاح الذي عرفته ىسنة 2004. ومن البديهي أن لا يشكل الإصلاح الجديد أي تراجع عن المكتسبات الحالية بالمدونة الراهنة،بل من المنتظر أن يدخل تحسينات و يضيف مكتسبات أخرى إليها. وقد اختارت الدولة منهجية في تدبير هذا الإصلاح يتمثل في إطلاق بالونات اختبار من خلال تصريحات متتالية لوزير العدل يبدو فيها وكأنه سيقترح إصلاحات تساند الحريات الفردية وترفع التجريم عن العلاقات الرضائية خارج مؤسسة الزواج. و الحقيقة أن وزير العدل لا يمكن أن يجرؤ على مثل تلك التصريحات إلا بضوء أخضر من أصحاب القرار في هذا الشأن، إذ لا يمكنه وهو يترأس حزب الدولة أن يدلي بما يناقض إرادتها، فهو مجرد منفذ لتكتيك في تدبير المرحلة، تكتيك يسعى إلى تفادي الفراغ باصطناع جدل ونقاش يخلق صراعا في المجتمع بين محافظين وحداثيين، للتغطية على الصراع الطبقي بين الأغنياء والفقراء والتمويه على الصراع بين الديمقراطيين وبين المستفيدين من استمرار الفساد والاستبداد. ستستمر إذن فرقعات وزير العدل لتأجيج ردود الفعل من قبل القوى السلفية والأصولية التي تجد نفسها تنتعش من جديد، وتتلقف هذه الهدية الثمينة المعطاة لها من طرف الدولة لتستعيد من جديد بعضا من نفوذها على المجتمع وتستمر في تكريس منظورها المنغلق له وللعلاقات الاجتماعية خاصة تلك المرتبطة بوضع المرأة ككائن قاصر ينبغي دوما التحكم فيه وفي مصيره. الدولة إذن تستفيد من هذا الجدل وتعمل على توجيهه والتحكم في مساره، لذلك وضعت سقفا للإصلاح المنتظر لا يتجاوز حدود الشريعة الإسلامية كما تكرست من خلال المذاهب الفقهية و المؤسسات الدينية النافدة. وبذلك تبدو الدولة هي الراعية للتوازن وهي الحامية للمجتمع من نزوعات التطرف التي تهدد وحدته.
على أن هذه الإصلاحات ستبدو بدون جدوى إن هي لم تجرؤ على رفع الظلم المكرس في بعض جوانب نظام الإرث، وليس المقصود هنا قاعدة للذكر مثل حظ الأنثيين، لآن هذه القاعدة لا يمكن للدولة المس بها باعتبارها من القطعيات حسب الفهم السائد للإسلام، وجزء كبير من شرعية الدولة مؤسس على احترام هذه القطعيات وعدم المس بها. ولكن يمكن للدولة بقليل من الجرأة إلغاء قاعدة التعصيب التي تتيح للعم أن يكون له نصيب في إرث أخيه الذي ترك ذرية من البنات دون ذكر، وهو الأمر الذي يؤرق العديد من الأسر التي تواجه مثل هذا الوضع، فيلجأ الأب إلى تمليك بناته كلا أو بعضا من ممتلكاته من خلال البيع الصوري متحايلا بذلك على هذه القاعدة التي تعطيه الإحساس بالظلم وعدم الإنصاف وهو يرى أن كده وتعبه سيستفيد منه من لا يستحق.
ويمكن أن يمتد الإصلاح إلى جوانب أخرى لا يشكل إصلاحها أي حرج، مثل الجوانب المتعلقة بالحضانة و الولاية ومصير ممتلكات الزوجين عند الطلاق وغيرها من الأمور. أما العلاقات الرضائية فلا شك أنها ستبقى من الخطوط الحمراء التي لا يمكن تجاوزها على الأقل في الوقت الراهن.
هذه إذن هي حدود الإصلاح الممكنة، حدود تجعل هذا الإصلاح يجدد الشرعية الدينية للدولة، ويؤمن لها وظيفة الحكم النزيه المتعالى على الصراعات، والحامي للمجتمع من خطر التشرذم و الانقسامات