محمد حسنين هيكل… الوجه الإعلامي والفكري لثورة 23 يوليوالمجيدة
عبد الإله إصباح
اقترنت ثورة 23 يوليو بالعديد من الأحداث والإنجازات والمواقف على الصعيد الداخل المصري وعلى المستوى الإقليمي والدولي، غير أنها اقترنت أيضا بعلم من أعلام الصحافة والفكر هو الصحافي الكبير محمد حسنين هيكل الذي برز اسمه مع صعودها وصعود زعيمها جمال عبد الناصر على مسرح الأحداث الدولي كأجد الزعماء الكبار المؤثرين في وقائع مرحلة تاريخية حاسمة هي مرحلة المد التحرري واستقلال مجموعة من الشعوب من نير الاستعمار وما تلا ذلك من تشكل تحالفات جديدة وسمت تلك المرحلة مع ما صاحبها من ظهور قطب جديد هو تكتل دول عدم الانحياز الذي كان جمال عبد الناصر احد مؤسسيه وزعمائه البارزين.
ولحسن حظ حسنين هيكل أنه تعرف على جمال عبد الناصر في حرب 48 أثناء تغطيته لها كمراسل حربي، وعند قيام الثورة سنة 1952 بادر عبد الناصر إلى المناداة عليه لصياغة بيانه الأول الذي تلاه السادات على أمواج الإذاعة صبيحة يوم 23 يولبو ومنذ هذه اللحظة توثقت علاقة الإثنين وأصبح حسنين هيكل هو الناطق الرسمي للثورة والمشرف الرئيسي على أهم صحفها، بل اصبح في الواقع مستشارا للرئيس يساهم في صنع الاحداث وصدور مجموعة من القرارات والمواقف بناء على ما يقدم من معلومات و معطيات وتحليلات تجعل كل قرار أو إجراء ستند على فهم ورؤية تسعفان في تجنب الأخطاء أو الأضرار المحتملة. هذا الموقع في صنع القرار مكن حسنين هيكل من الاطلاع عل كواليس مجموعة هائلة من اللقاءات الهامة مع العديد من زعماء العالم سواء في لقاءات ثنائية مع رئيس الجمهورية أو أثناء انعقاد مؤتمرات أو اجتماعات لهيئات ومنظمات إقليمية أو دولية. وحسنسن هيكل كان يعي أنه يتواجد في خضم أحداث تاريخية، ولذلك كان يتعامل معها ليس فقط كصحفي، ولكن كمؤرخ، ولهذا كان يحرص على توثيق كل لقاء اواجتماع ويسجل في مذكرات خاصة ما دار من حوارات فور اختلائه بنفسه حتى لا تتلاشى التفاصيل الصغيرة من الذاكرة مع مرور الأيام، ويتوازى مع ذلك الحرص على الحصول على المستندات من رسائل وبرقيات ومحاضر سواء في نسخها ألأصلية أو نسخها المصورة حتى يعزز مصداقية حديثه عن شخص أو حدث أو لقاء او حوار. ولأنه كان يجيد الإنجليزية قراءة وكتابة، استطاع أن يعزز عمله التوثيقي بمصادر هامة من دوريات وصحف عالمية ومؤلفات ومراجع متنوعة في السياسة الدولية. وقد استطاع حسنين هيكل أن يستثمر هذه العدة الزاخرة من الوائق والأجداث والكواليس ليدلي بشهادته عنمرجلة هامة من تاريخ مصر والعالم في وقت كثرت فيه الأكاذيب والروايات المزيفة وتشويه الحقائق في حقبة الثورة المضادة التي قادها انور السادات على كل المنجزات العظيمة للناصرية، وفي عز اشتداد الهجوم على عبد الناصر لم يتردد هيكل في التصدي للتضليل وإخفاء الحقيقة، فاصدر كتابه ” لمصر لا لعبد الناصر” محللا الوقائع والأحداث ومستشهدا بالأرقام والإحصائيات ليقارن بين الحقبتين الناصرية والساداتية على المستوى الاقتصادي وعلى مستوى الانجازات وعلى مستوى مكانة مصر عربيا ودوليا ليتبين من كل ذلك أن السادات بدد كل الرصيد الذي كان لمصر كدولة اقليمية يحسب لها الجميع ألف حساب لتصبح دولة تتوسل المساعدات وتفتقد لأي دور أو مكانة معتبرة. وقد توالت بعد ذلك كتبه خاصة بعد قطيعته مع السادات و عدم تحمله لآي مسؤولية أو منصب يدر عليه دخلا، ولآن دور النشر العالمية تعرف وزنه كصحفي وكاتب، حرصت العديد منها على التعاقد معه على تأليف مجموعة من الكتب عن أحداث ومراحل مما عاشه وكان شاهدا عليه، فالف في هذا الصدد كتابا عن حرب السويس وآخر عن حرب 67 ولما اغتيل السادات سارعت إحدى دور النشر لتقترح عليه تأليف كتاب عنه وعن حقبته فكان كتابه الهام ” حريف الغضب، قصة بداية ونهاية عصر السادات ” وهو كتاب زاخر بالوقائع والتفاصيل عن السادات كشخص وحاكم منذ بداياته الأولى إلى يوم اغتياله. وتجدر الإشارة إلى أنه الف هذا الكتاب باللغة الإنجليزية ثم ترجمه بنفسه إلى العربية، وقد لقي عند صدوره اهتماما بالغا سواء على الصعيد العربي أو الدولي
ولم تخلو صفحات الكتاب من دفاع عن عبد الناصر و منجزاته خصوصا عندما يقترن ذلك بالحديث عن التنازلات الكارتية التي قدمها السادات لأمريكا والصهيونية وجعلت مصر تفقد مكانتها وتتراجع عقودا إلى الخلف على مستوى التمية الاقتصادية والاجتماعية.
وبما أنه عاصر زمن مبارك وأدرك أنه على مستوى السياسة هو مجرد استمرار لسلفه، بادر إلى تأليف ثلاثة كتب عنه هي على التوالي ” مبارك وزمانه، من المنصة إلى الميدان ” و ” مبارك وزمانه ، ماذا جرى لمصر ولها” ثم ” مصر إلى أين ، ما بعد مبارك وزمانه” وهي كتب تشهد على أن حسنين هيكل مؤرخ ومفكر ينطلق من رؤية تنتصر للسياسة كفعل تقدمي يسعى للنهضة والتقدم ويتبرم منها كفعل يهدف إلى مراكمة المصالح والثروات.
و لا ينبغي أن ننسى في إطار الإشادة بقيمة وأهمية جميع ما ألفه حسنين هيكل من كتب، الإشارة إلى مؤلفه الهام ” عودة جديدة إلى التاريخ ” الذي يوثق فيه لقاءات جمعته بمجموعة من الزعماء والشخصيات العلمية كالخميني وانشتاين ولقائه بشاه إيران قبل الثورة عليه وشخصيات من عالم المال و الأعمال وبطل معركة “العلمين” التي جرت وقائعها بمصر أثناء الحرب العالمية الثانية. يعود حسنسن هيكل فعلا ليقدم قراءة جديدة مشفوعة بشهادته وبرؤيتهومنطلقه في الفهم والتحليل.
و في الواقع إذا كان هيكل محظوظا، لأن الظروف سمحت له بلقاء عبد الناصر والتقرب منه، فعبد الناصر هو ايضا كان محظوظا بهذه العلاقة والصداقة مع صحفي ومفكر كبير دافع عن سياسته ونظر لها وهو على قيد الحياة وفي قمة السلطة، والأهم أنه دافع عنه وهو في عداد الأموات ولم يتنكر له، لأنه ككاتي وصحفي ومفكر آمن فعلا بعبد الناصر والناصرية كمشروع نهضوي يسعى إلى التقدم و التحرر من التبعية والاستعمار.