بورتريه

محمد جسوس : رجل العلم ورجل السياسة

لوسات أنفو: خديجة بنيس

رجل العلم

يشير ماكس فيبر في كتابه رجل العلم ورجل السياسة؛ أنه من الصعب أن يتوفر في الشخص الواحد البحث العلمي والتدريس، إلا أن الباحث وعالم الإجتماع المغربي محمد جسوس فند هذا الطرح وأثبت عكسه، إذ قال  طالبه الدكتور ادريس بن سعيد في كلمته في حفل تكريم استاذه، نشرت في جريدة الإتحاد الإشتراكي:”إنني اعترف أمامكم بأن درس محمد جسوس آنذاك كان هو السبب المباشر ل«انحرافي» نحو السوسيولوجيا، كما حدث للكثيرين من غيري. منذ تلك اللحظة، قررت أن أتخصص في ما تبقى من الأيام في علم الاجتماع ، ولا أعرف الآن إن كانت تلك حسنة أو سيئة من حسنات أو سيئات محمد جسوس، لا أتذكر محتوى هذا الدرس الأول، لقد نسيت ما يجب نسيانه و لكن ما أذكره هو بصمة معلم أثر في حياتي العلمية كطالب و كأستاذ، لقد تعلمنا في هذا السياق الذي تميز بالصراع و سيادة الرأي الواحد، من محمد جسوس مجموعة من المبادئ التي لازالت تصاحبنا و نأمل أن تبقى في مصاحبتنا إلى اكتمال مسيرتنا العلمية و التدريسية”

  بعد حصوله على شهادة الدكتوراه في علم الإجتماع من جامعة برنستون الأمريكية سنة1968. أبى السي محمد قبول العروض المغرية التي تقدمت بها هذه الجامعة للإستفادة من خدماته، واختارالعودة لبلاده حاملا معه حلم التأسيس لمدرسة سوسيولوجية ذات طابع مغربي وتحقيق الإنفصال عن السوسيولوجيا الكولونيالية الإستعمارية في محاولة للإستفادة منها وتجاوزها فيما بعد، وهدم المفاهيم المتجدة من المعرفة والخطاب السوسيولوجين المركزي، حيث التحقب كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد الخامس بالرباط،، سنة 1968وعين عام 2004 أستاذا مدى الحياة لعلم الاجتماع في الجامعة ذاتها. يقول إدريس بنسعيد إنه:”درس السوسيولوجيا وفكر فيها لا باعتبارها نظريات علمية فقط وإنما كأدوات ضرورية لتحليل) حال ومآل المجتمع المغربي( وهي جملة أثيرة عند محمد جسوس”.

 لقد أحدث محمد جسوس طفرة نوعية في مسار علم الإجتماع في المغرب، العلم في خدمة الوطن سعيا لخلق تنمية داخلية شاملة بعيدا عن التبعية من خلال النقد الإجتماعي ودراسة بينة المجتمع المغربي باعتباره أرضية خصبة تستهوي علماء الإجتماع من مختلف بقاع المعمورة، حاول جسوس كسب رهان خلق فكر سوسيولوجي في المغرب،وكسر القيود التي كانت تشل حركية هذا الفكر في المغرب آن ذاك بالرغم من كون الظرفية ملائمة لذلك ، ففترة مابعد الإستقلال كانت مرحلة  انتقالية مهمة للمغرب على جميع المستويات، كما كانت مرحلة حساسة أيضا لأصحاب النفوذ الذين كانو يهابون العلم والعلماء وكل مامن شأنه زعزعة استقرار سلطتهم، استطاع الإنتصار للعلم وتكوين جيل من السوسيولوجيين، ماجعله يلقب بالأب الروحي للسوسيولوجيا المغربية.

 رجل السياسة:

 ولج جسوس السياسة وكانت إسهاماته السياسية مع حزب الإتحاد الإشتراكي لا تقل عن إنجازاته العلمية الأكاديمية، فقد دخل السياسة لإعتبارات أخلاقية وفكرية، لم يكن يوما طامعا في الوصول إلى  السلطة بقدر طمعه وطموحه في تغيير المجتمع والمساهمة في إصلاحه باعتماد الأدوات المتاحة ،حتى أنه بسط الأمور أكثر من ذلك فقد صرح في حوار له على القناة الثانية المغربية أنه سيكون حيثما كان الأجر بمفهومه الديني الشعبي،فبالرغم من قدرة محمد جسوس على الفصل بين العلم والسياسة داخل مدرجات الجامعة، يقول إدريس بنسعيد:”محمد جسوس رجل سياسة من العيار الثقيل ، ومناضل صلب وعنيد داخل حزبه وإزاء خصومه، وقد كنا بفعل قناعاتنا وممارساتنا السياسية آنذاك من بين ألذ هؤلاء الخصوم، غير أنه علمنا ومارس أمامنا عمليا إمكانية انتصار السوسيولوجيا عندما تنجح في الفصل بين العلم والسياسة، وعندما يتمكن الأستاذ المالك المطلق للسلطة الأكاديمية في أن يفصل في ذاته وفي درسه بين العلم ورجل السياسة.” إلا أنه ظل يحمل معه دائما أخلاق العالم والمفكر المنتصر للمصلحة العامة، بل إنه استغل معرفته بالمجتمع  وبنيته من أجل التنبؤ المسبق واستشراف المستقبل، والدعوة إلى إعطاء الأولوية للقطاعات الحيوية للمضي قدما بالمجتمع نحو بيئة مجتمعية يكون العنصر البشري ركيزتها الأساسية كما في المجتمعات المتقدمة،  فكان دائم الترافع لإصلاح التعليم، وكان يدعو للإهتمام بالجامعة المغربية، ” أقول أنه لا خير في المجتمع المغربي إذا لم يراهن على الجامعة المغربية.”

 كان لمحمد جسوس السياسي والمناضل والحقوقي ابن مدينة فاس نظرة ثاقبة في تصوره لما ستؤول إليه الأوضاع في المغرب، فكان معارضا للسياسات المعتمدة في تسيير البلاد مادامت لا تخدم المواطن البسيط، وكان يبدي مخاوفه من المستقبل إذا استمر الحال على ما كان عليه فأطلق صرخة مدوية عندما قال بصريح العبارة في مؤتمر لحزب الإتحادالإشتراكي “إنهم يريدون أن يخلقوا جيلا من الضباع”، ولعل واقع المغرب الآن يزكي قوله ويؤكد أنه كان للراحل محمد جسوس السوسيولوجي والسياسي  نظرة استشرافية مبنية على دراسة وفهم عميق للمجتمع المغربي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى