فن

ماريو جياكوميلي: عندما أرى أشـياء أرفض أن تكون جزءا من الواقع، لا أسمح لنفسي بتصويرها

لو سات أنفو محسن برهمي:

بعدما تعرفنا في المقال السابق، على معني التصوير بالنسبة للمصور إدوار بوبا، نكمل اليوم طريقنا في عوالم الفوتوغرافيا، وهذه المرة مع حوار أجراه فرانك هورفات مـع المصور المشهور المصور الايطالي ماريو جياكوميلي الذي يحكي هنا عن تجاربه مع التصوير الفوتوغرافي.

ماريو جياكوميلي المصور الايطالي من مواليد الأول من غشت 1925. التحق في سن السادسة عشرة للعمل في مطبعة صغيرة وبمرور الوقت آلت إليه ملكيتها. وهو شاعر ورسـام ومصور مبدع علم نفسه بنفسه، واحترف التصوير الفوتوغرافي منذ عام 1945 وعاش في سينيجاليا في ايطاليا حتى وفاته في 25 نونبر من عام 2000.

يقول: “أنا لا أفهـم في آلات التصوير التي يستخدماها المصورون الآخرون، ولسـت مهووسـا بالتكنيك. أصور بنفس آلـة التصوير التي بدأت بها، هذه الآلة عاشت وتقاسمت معي لحظات كثيرة في حياتي ووجودي بكل ما فيها من غبطة وتعاسـة وشـقاء، ولذا لم لا تخطر على بالي فكرة انفصالي عنها أبدا، ولو حصل وانفصلنا لسبب ما فلسوف ينفطر قلبي عليها من فرط حزني”.

إنها تعمل وحدها ولا احتاج لتشغيلها سوى تحديد المسافة وعمل هذا الشيء الذي يطلقون عليه.. آخ. نسيت! لا أختار أفلاما بعينها، بل أصور بالفيلم الذي أجـده أمامي، ولا أصور في الغالب سـوى العجائز. استخدم الفلاش-الضـوء الاصطناعـي – حتى أضيف إلى الصورة من الشر الذي في حوزتي، الشـر الذي يتعرضون له في المستشفيات والمصحات. يهمني أن تتبلور في صـوري، صورة هذا الجـو الخاص جدا الذي يعيشـونه في منفاهم الاجبـاري، وأن تتوثق صلتي بهم وبهذا العالم الصغير الذي يعيشون داخله، لكي أعيش مثلما يعيشون، وأنا أتحول تدريجيا وبمرور الزمن إلى عجوز مثلهم.

قـبـل ان أصور العجائز في الملجأ، أخذت أتردد أولا على المكان ولمدة سنة حتى يتعـودوا علي.. عندما بدأت التصوير كانـت زوجتي وأمي موضوعي ا المفضل، ثـم صار الملجأ بعجائزه بعـد ذلك موضوعي، واستقطب اهتمامي. أنا لا أصور الملجأ حبا في الملجأ، بل ما يهمني في موضوع الملجأ هو موضوع الزمن. ثمة حـوا دائـم ومفتوح بيني وبينـه، ومعركة دائمة يمثـل الملجأ أحد أبعادها.

عندما أجد في صوري مفاجآت كثيرة لا أعرضها على أي إنسان. أنا لا أرفض المفاجـأة حين تطلع الصـورة أفضل بكثير مما كنت أتوقـع. عندما أقترب من الأشياء لا صورها تتملكني رغبة واحدة في النفاذ إلى الداخل، إلى الأعماق. أؤمن بالتجريـد لأنه يساعدني على الاقتراب أكثر من الواقـع، ولا أحاول أن أصف بصوري ظاهـرة ما من الخارج، بل تكون رغبتي عنـد التصوير أن أصبح جزءا مـن الظاهـرة. أحيانا اقول إن أفضل صـوري في الواقع هي الصورة التي عشتها قـبـل أن ألتقطهـا؛ مثـل صورة لسيدة عجـوز في الملجأ كانت تمضغ طعامها وحين تكتشف أنها لا تستطيع أن تبتلعـه تنتزعه من فمها وتضعه ببساطة على الطاولة.

في الأعياد والمواسـم وكلما سنح لي الوقـت أفضل أن أذهب دائـمـا إلى الملجأ لأصـور العجائـز. لا أتلقـى أية أوامر من أي إنسـان، وحتى الجوع لا يستطيع أن يفرض على إرادته. أصور فقط عندما أشاء.

ثمـة موضوعات لا أسمح لنفسي بتصويرها: عندما أرى أشـياء أرفض أن تكون جزءا من الواقع.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى