اقتصاد و مال

كتاب لنجيب أقصبي يضع الاقتصاد المغربي تحت سقف من زجاج

نمو مخيب و هشاشة في السوق المحلية و تبعية للسوق الدولية

 

لوسات أنفو : أيوب داهي

في مؤلفه الاخير الصادر في شتنبر 2022 عن المجلة المغربية للعلوم السياسية و الاجتماعية, و المعنون ب ”المغرب : اقتصاد تحت سقف من زجاج من الاصول الى ازمة كوفيد-2019 ”.يعتبر الخبير الاقتصادي المغربي نجيب أقصبي أن معدلات النمو الاقتصادي  المخيبة للآمال التي يسجلها المغرب راجعة بالأساس لارتهان نشاطه الاقتصادي بالقطاع الفلاحي و المرتبط هو الاخر بالظروف المناخية و تقلباتها.

و في تحليله لبنية الاقتصاد المغربي, يرى الدكتور اقصبي ان هذا العامل ليس الوحيد المؤثر سلبا, مبرزا  أن عوامل  هيكلية أخرى تقف حجر عثرة امام تطور الاقتصاد الوطني, مجملا اياها في ضعف دينامية القطاعات غير الفلاحية و اقتصاد الريع , ثم الصعوبات التي تواجه خلق المقاولات, و اكراهات  الاستفادة من قروض الاستثمار ناهيك عن ضعف تنافسية الشركات الوطنية على المستوى الدولي , ما يضع هذا الاقتصاد بين مطرقة التبعية للسوق الدولية و سندان هشاشة السوق المحلية.

ينطلق الكاتب من اعتبار ان ازمة كوفيد-19 هي لحظة حقيقة وجب على مختلف الفاعلين التقاطها, و استخلاص دروسها الاساسية لاستثمارها مستقبلا , كما اعتبر  ان الاختيارات الكبرى التي انتهجها المغرب و التي رسمت الاطار المرجعي للسياسات العمومية على مدار العقود الماضية و الى يومنا هذا, و المتمثلة في سياسات الخوصصة و اعتماد اقتصاد السوق ثم الرهان على سياسة التصدير لتحسين  النمو الاقتصادي, قد فشلت و أفشلت اقتصادنا الوطني, و أكد انه بعد قراءة  موضوعية و رصينة لعدد من المؤشرات  كمعدلات النمو والفوارق الاجتماعية و المجالية و قضايا التمويل… يخلص الملاحظ و الباحث  الى ان هذه الاختيارات الاستراتيجية,  رغم الامكانات و الموارد و الطاقات الموجودة أعاقت تقدم الاقتصاد المغربي و حالت دون تقدمه و وضعته تحت سقف من زجاج.

يهدف الكاتب من خلال مؤلفه الى تسليط الضوء على مسببات  فشل تجربة التنمية بالمغرب و من تم رسم خارطة طريق جديدة لمصير جديد و مشرق يحدث قطائع مع جوهر الاختيارات السابقة.

 في توطئته لهذه الاطروحة  يطرح الكاتب مجموعة من الاسئلة.

-لماذا نجتر نفس الاختيارات لعقود رغم انها تؤدي  لنفس النتائج المخيبة ؟

-لماذا افلس القطاع الخاص؟

-لماذا لم تضطلع الطبقة البرجوازية المغربية بأدوارها التاريخية كما كان الشأن بأروبا ؟

-ما هي مسؤولية المؤسسات المالية الدولية على هذا الوضع؟

-ماهي حدود  مسؤولية النظام السياسي المغربي  في فشل النموذج التنموي؟

من أجل ترتيب المسؤوليات و اقتراح الحلول يبدو ضروريا الوقوف عند المسببات, بهذه المنهجية  افتتح الكاتب عمله, منطلقا من الازمة الصحية كوفيد-19 التي ضربت العالم مطلع سنة 2020 و التي تفردت في كونها أزمة طلب و عرض في نفس الوقت لتعتبر بذلك أزمة غير مسبوقة في العقود الماضية , فانهيار الانتاج و  التوقف الشبه الكلي لسوق الشغل من جهة , ثم انخفاض القدرة الشرائية و تراجع الاستهلاك و الاستثمار من جهة اخرى , أفقر الطبقة الوسطى و زاد من تفقير الطبقات الهشة  و عرى  الخدمات الاجتماعية  العمومية و على رأسها قطاع الصحة الذي أظهر محدوديته و ضعفه.

هذه الازمة أبانت على ان الاوراش الكبرى التي يجب وضعها على رأس جدول اعمال السلطات العمومية في المستقبل القريب , هي بلورة رؤيا مختلفة  لمقاربة الخدمات الاجتماعية العمومية حتى تستجيب للحاجيات المشروعة للمجتمع و لتطلعاته.  ثم بعد ذلك مراجعة العلاقات مع الخارج من خلال مركزة مفهوم السيادة الوطنية بما يعنيه من تأمين صحي و سيادة غذائية و طاقية… ثم وضع اتفاقيات التبادل الحر على أسس جديدة تراعي المصلحة الوطنية أولا.

من جملة الاختيارات التي أدت للوضع الاقتصادي الذي يعيشه المغرب , يقول الاستاذ نجيب أقصبي ان هما اختيارين أساسيين و هو  أولا تبني اقتصاد السوق او الليبرالية الاقتصادية المدفوعة بتشجيع القطاع الخاص, ثم الاعتماد على التصدير لضمان الاندماج في الاقتصاد الدولي. هذين الاختيارين حملا من جهة على اكتاف القطاع الخاص  باعتباره المحرك  الحقيقي للتنمية ثم باعتبار قدراته على الانتاج و الاستثمار و خلق فرص للشغل  , و من  جهة  اخرى التعويل على الاندماج في سلاسل الانتاج الدولية عن طريق اعتبار التصدير خيار استراتيجي.

 خدمة لهذه الاختيارات الاستراتيجية و خلال  العقود الماضية وفرت الدولة موارد هامة لرفع هذه التحديات  و انتهجت عددا من الخطط  حملت عناوين مختلفة كالمغربة و الخوصصة و الشراكة عام-خاص و الاستثمار العام في البنيات التحتية و ميثاق الاستثمار و سياسات التقويم الهيكلي و السياسات الجبائية و النقدية و اتفاقيات التبادل الحر….

هذه السياسات استمرت بهذا الشكل او ذاك , بهذه التسمية او تلك,  خلال عهد الملك محمد السادس هذابالإضافة الى مبادرات جديدة تستهدف تسريع هذه الدينامية. وهكذا فقد اطلق العهد الجديد عددا من الاوراش مرتبطة بالبنيات التحتية الكبرى و الاتفاقيات الدولية لتحرير التبادل التجاري و المبادرة الوطنية للتنمية البشرية.

يخلص الاستاذ أقصبي ان تحليل الحصيلة الاقتصادية للمغرب بناءا على محاورها الاساسية و المتمثلة في الانتاج و التوزيع و التحرير و التمويل تمكننا من فهم لماذا اقتصادنا يوجد تحت سقف من زجاج. فنتيجة كل هذه الاختيارات  كانت نمو اقتصادي ضعيف و متقلب و مرتبط بالظروف المناخية , انتاجية ضعيفة و بنيات قطاعية غير مندمجة و جامدة و احيانا تراجعية , بطالة بنيوية و توسع مهم للقطاع غير المهيكل و تعمق الفوارق الاجتماعية و المجالية و ارتفاع معدلات استيراد منتوجات السوق الدولية, نظام تمويل غير كاف لتحريك الموارد الداخلية جراء نظام ضريبي غير عادل أدى الى  عجز بنيوي في الموازنة العامة و ارتفاع متزايد للمديونية .

هذه الحصيلة حسب الكاتب تجعل سؤال من يتحمل مسؤولية هذا الوضع سؤالا مشروعا  و واجبا.

يعتبر الاستاذ أقصبي أن الفاعل الاول المسؤول عن هذه الحصيلة  هو المؤسسات المالية الدولية و دورها في املاء  الاختيارات الكبرى  على الدول التي يدفعها وضعها الاقتصادي الصعب للاقتراض.

في حالة المغرب و ابتداءا من الازمة المالية التي عاشها منذ  سنة 1964  بدا واضحا التدخل المنهجي للمؤسسات المالية في صناعة استراتيجيات التنمية  و فتح خطوط ائتمان متوالية. كانت ارادة واضحة من اجل توجيه الاستراتيجيات و السياسات نحو النيوليبرالية, و هذه المؤسسات كانت هي الموجهة لكل السياسات الاقتصادية و الاجتماعية و المالية التي ينتهجها المغرب.

يتساءل الكاتب  كيف يمكن ان نعفي هذه المؤسسات من مسؤولية افشال النموذج التنموي المغربي ؟ و نحن أمام هذه النتائج. هذه المؤسسات التي كانت تعد و تمول و ترافق برامج و مشاريع التنمية.

ينتقل الكاتب الى الفاعل الرئيسي الثاني الذي أسهم في افشال تجربة المغرب التنموية و هو ما يسميه  بدولة المخزن التي تتحملالمسؤولية بدورها  بشراكة مع الفاعل الاول.

يقول الاستاذ أقصبي  أنه قد  تم تسخير امكانات ضخمة و موارد اقتصادية هامة  من اجل اعادة الانتاج المتكررة  للنظام السياسي الحالي و تم اخضاع الاختيارات الكبرى الاقتصادية و الاجتماعية لتأدية هذه المهمة, حيث انتشرت ثقافة داخل المجتمع توحي  ان الطريق نحو الثراء و الغنى  لا يكون الا بالقرب من السلطة السياسية.  هذه الاخيرة و التي عملت  على الحد من استقلالية المجتمع المدني و تحييد المجتمع السياسي ما يزكي طرح نية  التحكم في الانشطة الاقتصادية و جعلها بمنئى عن اي انتقاد سياسي , فالهدفكان هو جعل الاقتصاد في خدمة السياسة لتأمين استمرارية النظام.

يقول الاستاذ اقصبي ان هذه الفلسفة في التدبير تغيب الحكامة و تقتل منطق تكافؤ الفرص و تعطي الفرصة لأقلية محظوظة للاغتناء و الاستفادة من الامتيازات ما يزيد من تعميق أزمة الاقتصاد الوطني و يعيق امكانات نهوضه.

يستمر الكاتب في تحليله بخصوص حدود مسؤولية  النظام السياسي على الوضع الحالي بأن  المشروع المجتمعي الذي يتم الاعتماد عليه هو مشروع القصر و هو مشروع لا يحظى باي شرعية ديموقراطية لانه غير خاضع للنقاش العمومي, فمثلا الاوراش الكبرى كاتفاقيات التبادل الحر و التصاميم القطاعية و المبادرة الوطنية للتنمية البشرية لا توجد في برنامج اي حزب و يتم الاشتغال عليها دون مناقشة من طرف الحكومة او البرلمان فهذين الاخيرين دورهما فقط هو تبرير و  تحمل فشل هذه المشاريع.

 و ينتهي الاستاذ أقصبي بالقول  ان التباس الادوار داخل النسق السياسي المغربي و تحميل المسؤولية لكل شيء لا يسير على ما يرام الى الطبقة السياسية و عدم اخضاع القرارات الملكية الاستراتيجية لأي تقييم نقدي يعرقل تنمية البلد. و يضيف ان فشل النموذج التنموي المغربي راجع بالأساس للاختيارات الاستراتيجية التي يدور رحاها داخل نظام سياسي غير ديموقراطي و غير فعال و لا يستخلص الدروس من التجارب, فالإصلاح الاقتصادي حسب وجهة نظره لن يرى النور الا عبر اصلاح سياسي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى