في ذكرى رحيله الأولى: فتح الله لمغاري.. رائد الأغنية المغربية ومبدع “نداء الحسن”
إ.م.بنصالح.
عقب إعلان الملك الراحل الحسن الثاني في خطاب رمي بث عبر التلفزة المغربية منتصف سبعينيات القرن المنصرم، عن إطلاق مسيرة خضراء نحو الصحراء وتخومها، اشتعل المطرب الراحل فتح الله المغاري حماسا ووطنية، ولم يجد نفسه إلا وهو ينهي قصيدة زجلية أفضى فيها بما اعتراه من مشاعر واعتزاز..
“صوت الحسن ينادي بلسانك يا صحرا.. فرحي يا أرض بلادي أرضك صبحت حرة.. مرادنا لازم يكمل بالمسيرة الخضرا…” أغنية وطنية مليئة بالمشاعر الجياشة لا زالت تتغنى بها المملكة المغربية إلى يومنا هذا، خاصة في الأعياد الوطنية مثل المسيرة الخضراء والاستقلال.. إلخ.
بثت هذه الأغنية بعد مرور يوم واحد على كتابة كلماتها، إذ صدح بها أثير الإذاعة الوطنية بأداء ثلة كبيرة من المطربين المغاربة المعروفين أنذاك. ورغم مرور عقود طويلة من الزمن على صدور أغنية “نداء الحسن”، ما زالت هذه الأخيرة حاضرة في الوجدان المغربي وفي المناسبات الوطنية، وتحولت إلى ما يشبه النشيد الوطني، بل ولم تستطع أي من الأغاني إزاحتها عن عرش الأغاني الوطنية الكثيرة التي قدمها مطربون كبار من حجم لمغاري، إهداء للبلاد خلال فترة حكم الملك الفنان والعبقري الحسن الثاني.
النشأة في فاس.. قوة الارتباط بالموروث الأندلسي:
رأى النور الفنان فتح الله المغاري في المدينة العلمية فاس عام 1940، حيث نشأ في أحضان أسرة موسيقية تميل للتراث الأندلسي،إذ كان لبيئته الأسرية ومحيطه الذي يتميز بالارتباط بالموسيقى الأندلسية والصوفية أثر كبير في تكوينه الفني والموسيقي.
وبعد حصوله على شهادة الباكالوريا، عمل موظفا في المكتب الوطني للأبحاث المنجمية، غير أن وظيفته لم تنل من موهبته وعشقه للغناء، كدأب العديد من الفنانين أنذاك، فقرر حينها الانطلاق في سماء الفن ليبدع أروع الأغاني الأصيلة.
وتعد أغنيته “كأس البلار” التي كتب كلماتها ولحنها في ستينيات القرن الماضي بدايته الحقيقية في عالم الغناء، إذ أثبت بفضلها موهبتهوسط كبار الفنانين.
وتميزت إبداعات فتح الله المغاري بالبساطة، فكانت أغانيه سواء تلك التي كتب شعرها أو لحنها أو غناها تجد انتشارا في جميع الأوساط الاجتماعية، ولم يكن الاستماع إليها محصورا بأبناء جيله بل تذوقتها الأجيال اللاحقة أيضا.
ويعتبر المغاري أحد رواد الأغنية المغربية وأعمدتها الذين ساهموا في تقديم أغاني ما زالت إلى اليوم تتردد على الألسنة وحاضرة في الحفلات والمناسبات والمهرجانات.
أسماء كبيرة مرت من مدرسة لمغاري..
غنى العديد من المطربين من كلمات وألحان الراحل، منهم مطربون يصنفون ضمن عمالقة الأغنية المغربية الأصيلة، مثل لطيفة رأفت التي غنت له أغنية “مغيارة”، والمطرب عبد الهادي الادريسي الزوكاري المعروف بلقبه الفني عبد الهادي بلخياط الذي أدى من كلماته أغنية “في قلبي جرح قديم”، وهي الأغنية التي حظيت بإعجاب المطرب الراحل عبد الحليم حافظ بعد استماعه إليها خلال إحدى زياراته للمملكة. كما قدم الراحل عددا كبيرا من الأعمال الفنية التي لا يزال محبيه من الجماهير المغربية ترددها على كل لسان وفي كل مكان وزمان.. ولعل من أبرز أغانيه: “رجال الله ” و”الصنارة” و “محال ينساك البال” و”ضاعت لي نوارة” والأغنية الخالدة “كاس البلار”.
مبدع بشوش يترجل فجأة..ونعي من كبار الفنانين..
في الثالث من شتنبر 2022، رجل بشوش تظهر على ملامحه طيبوبة لامتناهية، يتذكره الجميع بتلك الابتسامة التي لم تفارق محياه يوما.. أغمض عيناه للأبد، ورحل للعالم الآخر تاركا وراءه جمهورا غفيرا من مختلف الأجيال يتغنى بروائعه الخالدة في الذاكرة المغربية.
وجاء نعي الموسيقار “نعمان لحلو” واصفا الراحل بأنه “أحد أعمدة الفعل الثقافي الموسيقي الغنائي ومن كبار رواد الموسيقى في المغرب.. وأنه كان شاعرا عاميا موغلا في الهوية المغربية وأسس في وقت من الأوقات الخزانة الفنية المغربية، حيث كانت ثلث الأغاني المغربية من كلماته وألحانه وغنائه، وهو نجم ظل محتفظا بحضوره ونجوميته عبر عدة أجيال.. وقد فقدنا شمعة من الشموع التي كانت تضيء سماء الفن الموسيقي المغربي الأصيل”.. وأضاف لحلو إن الراحل كان مميزا في غنائه وألحانه وشعره، معتبرا أنه لم يكن يشبه شخصا آخر، بل ظل مميزا وحفر اسمه في الوجدان المغربي وفي التراث اللامادي، “لأنه أسس اللبنة الأولى مع مجموعة من الرواد للفعل الثقافي الغنائي المغربي المعاصر”.. رحل عنا جسدا وستبقى سيرته باعتباره رائدا من رواد الفعل الثقافي الغنائي المغربي في التاريخ المعاصر”.
أما المطربة لطيفة رأفت، فقد نعته في تدوينة حزينة أشارت فيها أن الراحل كان بمثابة الأب الروحي بالنسبة لها، قائلة: تلقيت بحزن كبير وفاة من كان له الفضل في نجاحاتي بعد الله سبحانه وتعالى، وداعا يا من آمن بموهبتي وشجعني.. وداعا السي فتح الله لمغاري. وأضافت كان له الفضل في نجاحاتي بعد الله سبحانه وتعالى.. كان يفضل أن أكون أول من يستمع إلى أي كلام يخطه قلمه أو لحن جديد يبدع فيه، كان سندي والشاهد الأول على زواجي سنة 1985، السنة التي استقريت فيها بالرباط.. وداعا يا من آمن بموهبتي وشجعني..رحمك الله يا من كان بمثابة أب لي.. وداعا السي فتح الله لمغاري.
رحيل بطعم الخسران لمبدع سمِح خلد اسمه في الذاكرة الفنية المغربية والوجدان المغربي.. كان يدعى قيد حياته فتح الله لمغاري.