فيلمshutter island: أيهما أسوء، أن تعيش كوحش أو تموت كإنسان صالح
لوسات أنفو محسن برهمي:
قد تظن أن المخرج كريستوفر نولان هو سيد اللعب بالعقول من خلال التلاعب بالأزمنة، لكن ما إن تشاهد إحدى أفلام المخرج مارتن سكورسيزي، حتما ستغير رأيك.
فيلم اليوم يحمل اسم shutter island صدر سنة 2010 من إخراج مارتن سكورسيزي ومدته 130 دقيقة ومأخوذ عن رواية بنفس العنوان للكاتبة دينيس ليهان. الفيلم من بطولة ليوناردو دي كابريو الذي يلعب دور المحقق تيدي دانيلز الذي يحقق في حادثة اختفاء أحد المرضى في مستشفى نفسي واقع في جزيرة شاتر برفقة الممثل “مارك رافالو” في دور مرافقه تشاك أولي، الفيلم عبارة عن خدعة نفسية، أو اختبار لشخصية المشاهد من طرف “سكورسيزي” بحيث يمكن رؤية الشخصية البطلة ~ المحقق تيدي دانيلز~ من زاويتين مختلفتين، ليتركك الفيلم تقرر مع نفسك هل “دانييلز” محقق فعلا، أم مجرد مختل عقلي يعاد تأهيله؟
النظرية الأولى:
أولا دعونا نتعرف على ماضي المحقق تيدي بحيث هو جندي سابق، وفي الوقت الحالي يعتبر نفسه محققا، سيكلف تيدي بمهمة في جزيرة شاتر، للبحث عن مريضة مفقودة، وثانيا للإنتقام من قاتل عائلته “أندرو ليديس”. نرى الأحداث بأعين المحقق الذي نفهم من خلاله أن المستشفى هو مستشفى نازي، ويقوم بتجارب علمية ضد المرضى، دلائل عدة تدل على أن هناك مؤامرة تحاك ضده بداية بالمريضة التي تركت له نصيحة بالهرب على دفتر ملاحظاته، او المسجون الذي أخبره أن الأمر كله عبارة عن لعبة، بأنه لا يحقق في أي شيء، معتبرا إياه مجرد فأرٍ داخل متاهة. مضيفا بأنه لن يستطيع كشف ما يجري في هذا المكان وقتل المجرم “أندرو ليديس” وأخيرا حواره مع المريضة الهاربة من المشفى التي أخبرته بأنها تعمل كدكتورة حيث حاولوا سجنها إثر اكتشافها التجارب العلمية التي يقومون بها. كل هذه الدلائل تجعل من المحقق هدفا للعب بأفكاره، وهويته.
النظرية الثانية:
في الحقيقة المخرج سكورسيزي هو الذي تلاعب بنا كمشاهدين، حيث منذ البداية يتضح لنا أن المحقق تيدي مجرد مختل عقلي اسمه الحقيقي ” أندرو ليديس”، حيث اختلق المحقق هذه الشخصية في البداية لأنه غير قادر أن يستوعب أنه قاتل زوجته، وعند دخوله إلى حديقة المستشفى نرى كيف أن المرضى استقبلوه بابتسامة عريضة، ما يدل على علاقتهم، إضافة الى لقطة لحظة تسليم الأسلحة حيث نرى أن مرافقه تشاك اولي يجد صعوبة في نزع سلاحه، لكن هو في الحقيقة طبيبه المرافق.
لننتقل الأن إلى لحظة البحث حيث نرى أن جميع الشرطيين غر مباليين بالبحث، وتعبهم من لعب هذه التمثيلية الى جانب طاقم عمل المستشفى، لنركز على مشهد أخر وهو عندما كان تيدي وتشاك يستجوبان المريضة “بردجت كيرنز”، وعندما سألها عن الدكتور “شيهن”، قامت بلمحة خاطفة مرتبكة في اتجاه شريكه تشاك في إشارة منها أنه هو الدكتور، ليسألها عن مريض اسمه “أندرو ليديس” فنرى الارتباك والخوف في ملامح “كيرنز”، لأنها تعرف أنه هو الذي يستجوبها.
لنحلل هذه الجملة التي قالها المحقق تيدي لرفيقه “أتعلم، هذا المكان يجعلني أتساءل …أيهما أسوء، أن تعيش كوحش أو تموت كإنسان صالح؟” حيث يبدو جليا أن قريب من الموافقة على هذه العملية لتغيير سلوكياته على العيش كمتوحش قاتل، أو دعونا نراها من جانب أخر، بما أن “تيدي” هو جندي سابق، أي هناك فرضية لأن يكون خدم في العراق، أو أفغنستان؛ حيث يتساءل مع نفسه أيهما الأفضل التعايش مع الأمر رغم كل الأبرياء الذين قتلوا ظلما، أو أن يموت وهو يعتقد أنه يحارب من أجل مصلحة بلاده.”المشاهد المروعة في أذهان الجنود يستحيل محوها، فدرجة الإحباط هائلة، ومحاولات الانتحار فاقت المعدلات”، هكذا قال المحلل النفسي سكوت سوايم، وهو جندي سابق في الجيش الأمريكي. والعديد من الدلائل الأخرى أترككم لتكتشفوها بأنفسكم…
ثنائية الماء والنار:
ثنائية تشكل صراعا أبديا تماما كما هو الحال بالنسبة لتيدي، حيث يشكلان هذان العنصران مصدر فوبيا وقلق والسبب راجع الى وفاة أطفاله غرقا، ووفاة زوجته محترقة داخل المنزل، لنفهم جيدا هذا الأمر يجب التركيز على هذه الصورة عندما طلبت المريضة بكأس ماء، فنرى المشهد من زاوية المشاهد الذي يرى المريضة وهي تشرب الماء، والزاوية الثانية {plan subjective } للمحقق الذي يرى يد المريضة فارغة. إضافة إلى الأحلام التي تراوده.
العنصر الثاني في الفيلم هو النار؛ يتكرر في العديد من المشاهد، مثلا عندما يشعل تيدي عود الثقاب، أو النار التي نراها في أحلامه، أو عندما وجد المريضة “رايتشل سلاندو” في ذلك الكهف، كان عنصر النار هو الذي يتدفئان به، حتى إن ركزت جيدا فاللهب نلاحظها تطغى على المشهد كما تأخذ حيزا كبيرا من الشاشة، وفي بداية الفيلم عندما أخبر تشاك بأنه متزوج لكنها توفيت بسبب الدخان لأنه غير قادر على نطق كلمة “النار”
وللإشارة فإن مشهد تلاشي الزوجة من بين ذراعي “تيدي”، استلهمه سكورسيزي من اللوحة الفنية التي تحمل عنوان “قبلة” للفنان “كوستاف كليمت”.
ربما اختار سكورسيزي الفيلم،كي يسلط الضوء على جنود أمريكا العائدين من الحرب، فحسب قناة CBC الأمريكية في سنة 2006 تم تسجيل 119 حالة انتحار أسبوعيا، بواقع 17 حالة يوميا، أغلبها لجنود تتراوح أعمارهم 20~24 سنة، خدموا في العراق و أفغانستان.
ومجموع العسكريين الذين قتلوا في العراق وأفغانستان، بحسب الإدارة الأمريكية هو 7000 جندي وضابط، إلا أن الذين قضوا انتحارا يعادل أربعة أضعاف ذلك، وفقا لمعهد “واتسون” للشؤون الدولية،أما عن قيادة الجيش الأمريكي، فقد طردت أكثر من 22 ألفا من قدامى المحاربين في العراق وأفغانستان بسبب “اضطراب السلوك”، بدلا من علاجهم أو إحالتهم على التقاعد، بحسب صحيفة “واشنطن تايمز”.
وفي الأخير ما هو رأيك “تيدي” محقق أم “متوحش قاتل”؟