فيلمAbout endlessness:عندما أمسك «روي أندرسون» عبثية الوجود بين يديه
زكرياء ديناوي
يسرد «روي اندرسون» في ساعة وبضع دقائق، مشاهد قصيرة للوجود الإنساني يختارها بطريقة عبثية وعشوائية لكن عبر حكايات عن اللانهائية، وهو عنوان بديل للحياة. فالوجود عند “روي اندرسون” لا نهائي ومستمر بشكل عبثي صارخ.
يتبع اندرسون أسلوبه المعتاد في التصوير الثابت والألوان الباهتة والكوميديا السوداء، لإظهار التناقضات والغرائب في الوجود الإنساني. فالفيلم تتويج لمسيرة طويلة لمخرج عبثي وكوميدي بطريقة ساخرة، تطغى على شخصيات الفيلم الحيرة والضياع وتعاني مجموعة منهم الضياع، فهو شعور حتمي يطاردنا طول ساعة الفيلم، كما تظهر على تعابير الوجه «كشارلي شابلن» او «جاك تاتي»، إنه تصريح لوجود حفلة ضاحكة نحضرها بمكياج المهرجين، لأنها ساخرة ورد فعل طبيعي اتجاهها هو عدم أخذ الأمور بجدية مفرطة.
يرافقنا الراوي بصوت امرأة لتصف لنا المشاهد والمشاعر فتقول: “رجل فقد إيمانه” للدلالة على قس فقد ايمانه بالله، فيفقد معه معنى وجوده التام، نراه يتأرجح بين الأحلام التي يصلب فيها من طرف المجتمع ويحمل صليب المسيح في المدينة ككفارة على الزيف والخداع الدي يترك المدينة فيه.
الحرب طاعون يقضي على الأخضر واليابس
رجل تصبح حياته بلا طعم، وزوجان يفقدان ابنهما في الحرب، وشعب تضيع منه حريته وموسيقاه من جهة، وأخر فقد قدميه في الحرب من جهة أخرى. لا يفوت روي اندرسون الفرصة ليجلد الإنسان وفظائعه، فيلم عن الحالة العبثية التي وجدنا عليها الوجود، لكنه فيلم أيضا على الحالة المزرية التي تركنا بها الأوضاع.
لا شيء يساعدك على العيش
في مشهد بسيط نتعرف على طبيب أسنان يغادر اُثناء معالجته لأحد المرضى نحو الحانة، حيث يغرق بالشرب كاعتزال تام للسعي وراء العمل أو القيام بأي مجهود لإنها فارغة ولا تحمل اي معنى، كما في مشهد أخر، نشاهد أحد ركاب الحافلة وهو يقول: “لا اعرف في ماذا أرغب بعد الآن”.
لكن روي اندرسون يعطينا بعض الأمل او ربما يعرضه فقط فالحياة هكذا متأرجحة ومتقلبة ويقولها على لسان إحدى الشخصيات: “الكون عبارة عن طاقة لانهائية لا تختفي، بل تتحول من شكل لأخر”.
ختاما نشاهد حبيب يصل في أخر لحظة لملاقاة حبيبته في المحطة، ورجل وسط حانة يصرخ “إنه مذهل” في وصف لجمال تساقط الثلوج وفي صرخة اتجاه هذا الجمال الساحر للوجود، ويطفو زوجان معا في تصوير شاعري، يهربان من مدينة مدمرة تماما في مشهد يمنح التفاؤل وسط هاته اللانهائية المؤرقة، كما ترقص ثلاث نساء وسط شارع كخيار ثان لمجاراة الوجود؛ الرقص، الموسيقى والضحك، ربما هي اسلحة نتشبث بها ونحتمي بها من كل ضجيج الحياة.