فيلم The wind rises: الذنوب التي تحملها الأحلام
زكرياء ديناوي
يعود هاياو ميازاكي أشهر مخرج أفلام أنمي يابانية، والأيقونة الخالدة لـ studio Ghibli بفيلمه الأخير، الذي ينتظره عشاق الطبيعة الساحرة لأفلام ميازاكي حوالي ست سنوات، هذا وكان قد أعلن ميازاكي على أنه الفيلم الأخير في مسيرته بعنوان “كيف تعيش”. اختار المخرج عدم الترويج لفيلمه أو الحديث عنه. لذلك اخترنا مراجعة فلمه السابق the wind rises الصادر سنة 2014 لعلنا نفهم توجهات ميازاكي في سنواته الأخيرة، حيث اختار أن يجعل من أفلامه صوتا مناصرا للسلام، ونبذ الحرب والنبش في معاني العيش والحياة في سنوات عمله الأخيرة.
يحكي ميازاكي في هذا الفيلم، عن سيرة ذاتية لأشهر مصمم طائرات يابانية “جيرو هوريكوشي”. للتعمق في معاني الأحلام، وما الجدوى من الحرب؟ ويقامر بمشاعرنا في الحب وفي الوداع ويطالبنا بالعيش.
يطالبنا بالعيش مع أول لمحة شاعرية في الفيلم بطريقة ساحرة، تختلط فيه المعاني بألوان الطبيعة، الملاذ الوحيد ومتنفس «ميازاكي» في كل أفلامه. “الرياح تعصف، يجب أن نحاول أن نعيش” كما يقول الشاعر “بول فاليري”، رسالته الكبرى من القصة نراها عبر قصص كل واحدة منها تحمل دلالات، الإستمتاع بالحياة واللحظات أينما وجدت عناوين كبرى لها، فهنا نشعر برعشات البرد ونحس بالرياح تعصف، يجب أن نعيش.. أن نعيش الآن أو لنحاول..
الحلم الأول
يحلم جيرو بقيادة طائرة من سطح بيته، لكنها لا تستطيع إكمال الطيران لتتحطم بفعل هجوم لجيش ظلامي يحمل القنابل، يعطينا ميازاكي الحبكة كاملة. أن «جيرو» حالم يرغب في ملامسة السماء، لكن الأحلام ليست قوية كفاية لحمله ضد الحرب وضد شقاء العيش.
الحلم الثاني
“الطائرات هي أحلام جميلة”، يقابل «جيرو» في أحلامه صانع الطائرات الإيطالي «كابروني»، ويخوضان نقاشات تجعل من «جيرو» يتخذ قرار تصميم الطائرات، لصعوبة تحقق حلمه بقيادة واحدة.
يقول كابروني: “الطائرات ليست أدوات للحرب ولا لكسب المال. انها احلام جميلة”
فيجيب جيرو: بعد سنوات “لا أريد الا صنع طائرات جميلة” إنها رغبة الفنان الأولى، الذي يعبر عن روح فنان حالم، فهو غير مهتم بالمشاركة في الحرب، ببساطة يرغب في صنع اشياء جميلة.
في أحلامه تظهر طائرات «كابروني» محملة بأشخاص سعداء؛ فالطائرات تحمل الناس وتقرب المسافات. وعلى مدار الفيلم يشكل التنقل موضوعا مهما {قطار، السيارات، وأيضا التنقل عبر باخرة}. في الحلم تتجسد رغبات «جيرو» الكبرى، مسالم ويرغب في تحقيق حلمه الصغير بعيدا عن الحروب. لكنه في الأخير يرضخ لرغبات الحكومة اليابانية، ليصنع الطائرة الأكثر تدميرا في تاريخ الحرب العالمية الثانية «الميزوبوشي»
حلم الطائرات لم يكن حب «جيرو» الوحيد، فقد كانت هناك «ناهوكو» الفتاة التي ألتقاها في أول هزة رياح، وشارك معها قصيدة “بول فاليري”، وهي فتاة ضعيفة تعاني بسبب مرضها المزمن. يقع الإثنان في الحب بطريقة هادئة على مدار السنين..
تتفاقم حالة «ناهوكو» الصحية، ويقرر العاشقان الزواج للعيش معا، رغم انشغال جيرو بتحقيق حلم الطائرة ومعاناة ناهوكو مع مرضها..
في المشاهد الأخيرة يختفي خط الزمن من الفيلم. «جيرو» في آخر مرحلة من اتمام حلمه، تقرر ناهوكو هجر زوجها والعودة إلى مخيم المصابين بالسل لتلقي العلاج، كأنها تقول: “لا أريده ان يتذكرني كشخص مريض، أريد أن يراني حية، حية دائما كالرياح التي تهب”، ومن جهة أخرى فإن «جيرو» يعي في اللحظة التي تحلق فيها طائرته، أن حبيبته اختفت ربما ليست فقط من حياته، ولكن ربما للأبد..
بطريقة شاعرية نعي أن «ناهوكو» توفيت بعدما أنهكها المرض، ويقف «جيرو» و«كابوروني» مرة أخيرة في حلم، في حلم مليء بالطائرات المحطمة لدلالة على شر الحروب، كم من القتلى خلفت طائرات «جيرو»؟ أنه يحمل الآن ذنوب حلمه، شأنه شأن خصمه صانع القنبلة النووية “أوبنهايمر”. “يجب أن تعييش” تقول ناهوكو في زيارة خاطفة للمرة الأخيرة.
يجب أن تعيش حاملا آثام الحرب على كتفيك
وعزاء الحب في قلبك
لكن يجب أن تعيش…
الرياح تعلو، تهب وتعصف لنحاول أن نعيش.