لو سات أنفو محسن برهمي:
اعتدت على تحليل نفسي حتى الخيط الأخير، وكنت أقارن نفسي بالآخرين، وأذكر كل نظرات وابتسامات وكلمات أولئك الذين حاولت أن أكون صريحًا معهم، وفسرت كل شيء في صورة سيئة، وضحكت بشراسة على بلدي، أحاول “أن أكون مثل البقية” وفجأة، في خضم ضحكاتي، أفسح المجال للحزن، وأقع في اليأس المضحك، وأبدأ العملية برمتها مرة أخرى باختصار، ذهبت إلى جولة وجولة مثل السنجاب على عجلة.
فيودور دوستويفسكي
يبدأ فيلم match point بنقطة المباراة. حيث يعطي المخرج وودي آلن مثالا على ذلك بلعبة التنس؛ هي النقطة التي تحدد الفائز والخاسر. وهي وليدة الحظ وغير خاضعة لأي قواعد علمية. تصطدم الكرة بالشباك وتتأرجح دون وجود أي قاعدة لتأرجحها إلى الخلف أم إلى الأمام. هذه الحالة العصية على وضع قاعدة علمية لها هي ما يبني آلن عليها فلسفة فيلمه. يقول كريس في حديثه مع الأسرة أثناء النقاش “لا هدف، لا تصميم، والعلماء يؤكدون أكثر وأكثر أن الوجود مجرد صدفة” ويضيف طوم قائلا” إن اليأس هو أصر الطرق للمقاومة”، فيجيبه كريس ” بل العكس، الايمان هو أقصر طريق للمقاومة”. وبذلك يقول وودي آلن، على لسان طوم، أن اكتشاف الرب تجارة غير مربحة”.
الحظ هو محور القصة، ففي بداية الفيلم نشاهد جملة “يخشى الناس رؤية أن جزءًا كبيرًا من الحياة يعتمد على الحظ”، وينتهي بجملة طوم معلقا على ولادة طفل لكري وكلوي قائلا:” لا يهمني أن يكون رائعًا، يهمني أن يكون محظوظًا”.
التنس وسيلة هروب من الفقر:
بانتقال كريس إلى لندن، يتلقى هذا الأخير عرضًا لتدريب التنس، ويصادف طوم هيويت ابن العائلة الثرية، وتنشأ بينهما صداقة، وسرعان ما تتطور، لتتطور معها الأحداث متسلسلة.
لم يقدم لنا وودي آلن الكثير عن شخصية كريس ويلتون، سوى أنه شاب إيرلندي طموح قادم من بيئة فقيرة، لكنه مثقف وذو مواهب متعددة ويشتغل كمدرب للتنس. والده فقد ساقيه وكان متزمتًا دينيًا. ومما يبدو أن طفولة كريس كانت عبارة عن مأساة مما انعكس على نظرته للحياة ونلاحظ ذلك من خلال نوعية الموسيقى التي يستمع إليها، والكتب التي يقرأها.
يجيب كريس عن سؤال” لماذا اخترت التنس” فيجيب كوسيلة للهروب من الفقر، وسرعان ما يتضح هذا الأمر عندما يدخل في علاقة مع بكلوي هيويت انتهت بالزواج، بوابته نحو العالم البورجوازي، عالم تذوق فيه النبيذ فأصبح يعشقه. عالم ليس لديه فيه أي ذوق في المأكولات التي تقدم في المطاعم الفخمة، حيث بات أسيرًا لما حققه من امتيازات بعد ارتباطه بالعائلة البريطانية البورجوازية.
جريمة بدون عقاب:
خلال مشاهد الفيلم، نرى كريس يقرأ رواية “الجريمة والعقاب” لدوستويفسكي في إحالة أن هناك جريمة ستقع، لكن هل هذه الجرمة سيعاقب صاحبها أم لا، الإجابة، ستكون خلال الفيلم نفسه، كذلك يقوم كريس بقراءة كتاب” The Cambridge Companion to Dostoevsky ” الذي يضم سلسلة من الشروحات النفسية والدينية والاقتصادية والاجتماعية والنقدية حول حياة دوستويفسكي. كريس شخصية انتهازية مثقفة، جعل من بطل دوستويفسكي في روايته الجريمة والعقاب، راسكولينكوف، قدوة له، ومثله الأعلى. فالقاسم المشترك بينهما الذي يدفعهما للقتل يكمن في مقدار المال الذي بحوزتهما. لما لا وكريس أصبح ينتمي إلى عائلة بورجوازية في لندن، كما يحصل على فرصة عمل في أكبر الشركات، ويتلقى الدعم المالي من والد زوجته، والسكن في منزل فخم دو إطلالة على النهر بعدما كان يخجل أن يصطحب معه صديقته إلى منزله الصغير الاقتصادي، والتلذذ بالحصول على أفضل المأكولات والمشروبات وغيرها من مظاهر البورجوازية.
تنقلب حياة كريس رأسا على عقب عندما يرتبط بحبيبة طوم السابقة، نولا رايس الممثلة التي جاءت من أمريكا إلى لندن لتحقيق حلمها في التمثيل. لكن في المشهد الأول الذي دار بين كريس ونولا سنعرف من سيفوز في النهاية وكيف سينتهي الأمر، تقول نولا رايس “أنت تلعب لعبة عنيفة” في إشارة الى لعبة التنس، لكن كريس يخوض لعبة أكبر عنفا لا يعرف نهايتها، يتعلق كريس بنولا رايس لدرجة الجنون، فيتعلم فن التمثيل، فيبحث عن كتاب ستراندبرغ وهو كتاب تمثيل. ويرفض فكرة الأطفال مع زوجته التي تريد أن تصبح أما لثلاثة أطفال، بل حتى فكرة الجنس رفضها،
تنقسم علاقة كريس بنولا لمرحلتين؛ مرحلة أولى ترفض فكرة الارتباط بكريس حينما كانت مرتبطة بطوم، لأنها هي الأخرى أصبحت تنتمي للطبقة البورجوازية، ومرحلة ثانية هي انتهاء علاقة الحب التي جمعت بين طوم ونولا، بذلك تعود نولا لحياة الفقر، فترى فكريس الحبيب المنقذ ووسيلة لرجوعها لحياة الرفاهية.
يتغير كل شيء عندما تصبح نولا حاملا، فتصبح مصدر تهديد لمكانة كريس، حيث رفضت في الأول عملية الإجهاض التي اقترحها كريس، وثانيا الحاحها المتكرر على كريس بإنهاء علاقته بزوجته حتى أنها ستتكلف بهذه العملية بنفسها، ليقرر بعد ذلك كريس قتل نولا لانتهاء هذه القصة اتي أصبحت تهدد مكانته، في إشارة مباشرة إلى أن الصراع الطبقي دائما ما سيكون الرد عليه من قبل الطبقة البورجوازية عبر سفك الدماء وذلك بهدف الحفاظ على وجودها وامتيازاتها.
عبقرية وودي آلن:
بالإضافة الى الصراع الطبقي، أو الصراع بين الخير والشر، يجب الإشارة الى صراع آخر في هذا الفيلم وهو صراع وودي آلن مع دوستويفسكي، فالفيلم في صميمه نقد لفلسفة للحياة والنفس البشرية في الجريمة والعقاب، كذلك فعل آلن بصياغة فلسفة الحظ في فيلمه، فحتى لو كان الفيلم بذاته يناقش فكرة الحظ فآلن لم يترك أي شيء للحظ؛ فاستعمل الأوبرا التي تتحدث عن الحب والموت؛ أوبرا La Traviata “عشت مع حب مجهول، فهرب مني. ابحث عن حب جديد، وانسَ وجودي”. وكذلك تنشد أوبرا mia piccirella “على البحر أريد أن أموت”. وتنشد أوبرا Una furtive lagrima “الجنة! نعم، يمكن أن أموت الأن! لا يمكنني أن أطلب أكثر. أوه يا إلهي! نعم، يمكنني أن أموت! لا يمكنني أن أطلب أكثر. نعم، يمكن أن أموت من الحب”. وتنشد أوبرا mal reggendo all aspro assalto “السماء لا تقول قولها، أوه، إذا دفعك القدر للقتال مع الملعونين، ضع النصل في قلب الشرير”. ومن أوبرا ديزدمونا من مسرحية عطيل لويليام شكسبير”ها أنا أقف، أواجه أخطاء الحب. قلبي أعمى، عيناي تبكيان. ها أنا أقف، أمام الحب الغادر”. وتنشد أوبرا Macbeth لتقول “آه يا أولادي، يد الطاغية قتلتكم جميعًا. لم تكن يد الأب درعًا لتحميكم”.
أو استعمال ساعة الحائط في المشهد wood and son إثر تنفيذه لجريمة قتل كريس طفله المزروع في رحم نولا راي. دون أن ننسى اللوحات الفنية التي تظهر طوال الفيلم، فنرى في مشهد شخصين؛ الأول بملابس، والثاني عبارة عن نفس الشخص لكن سلون أسود، في إشارة أن كريس في مظهره شخص عادي، لكن في داخله يسكن شيطان لا مبررات أخلاقية عنده.
فيلم match point، فيلم يعالج الجريمة من منظور نفسي واجتماعي سياسي، وارتباطها بالتغيرات الاجتماعية والاقتصادية. إضافة إلى التحولات النفسية التي تترتب عن هذه العوامل. كما يسلط الضوء على الوصاية الاجتماعية أو الوصاية العائلية التي تجلت في كون جميع أفراد العائلة يريدون تأمين مشروع زواج مناسب لكلوي على حساب كريس.
