فيلم Being there: الحياة… حالة ذهنية
لو سات أنفو محسن برهمي:
من منا لم يتم تأويل كلامه نحو توجه لم يقصده، في فيلمنا اليوم سوف تتغير حياة رجل ليصنع قرارات الدولة الأمريكية بسبب تأويل حديثه عن البستنة واسقاطها على السياسة الأمريكية، الفيلم بكامله يمكنه تلخيصه في كلمة الفلسفة التأويلية عند الفيلسوف الألماني هانز جورج جادامير الذي يعتبر المؤسس الفعلي للمدرسة التأويلية، حيث يقول جادماير أنّ عملية التأويل تتكون من شقّين أساسيين؛ الشقّ الذاتي والشقّ الموضوعي.
فيلم”Being There “هو فيلم كوميدي أمريكي من إنتاج عام 1979 وإخراج هال اشبي وبطولة بيتر سيليرس وشيرلي ماكلاين ، الفيلم مقتبس عن رواية صدرت عام1971 تحمل نفس الاسم للكاتب البولندي الامريكي جيرزي كوزينسكي، تدور أحداث الفيلم في الولايات المتحدة الأمريكية عن قصة البطل “تشانس”، وهو رجل في عقده الخامس من عمره، ولد في منزل أحد الرجال الأثرياء الذي يعيش بمفرده في ذلك المنزل برفقة الخادمة. ويعمل تشانس كبستاني لحديقة المنزل. ويروي الفيلم قصة هذا الرجل الذي ولد داخل المنزل ولم يخرج طيلة حياته خارج جدرانه وتلقّى كل معرفتِه عن العالم عن طريق شاشة التلفاز فقط. تبدأ أحداث الفيلم عندما يموت مالك المنزل الطاعن في العمر وتغادر الخادمة المنزل ثم يأتي المحامي ليقوم بالحجز على المنزل ليضطر تشانس مغادرته لأول مرة في حياته ليواجه العالم الحقيقي، بينما يقف تشانس لمشاهدة أحد شاشات التلفزيون كما اعتاد دومًا في واحدة من منافذ البيع الكائنة في أحد شوارع المدينة، تأتي سيارة وتصدمه صدمة خفيفة في قدمِه بدونِ قصد، وتخرج صاحبة السيارة التي هي زوجة لأحد كبار رجال الأعمال في الولايات المتحدة الأمريكية لتدعوه لقصرها حتى يفحصه طبيب العائلة كنوعٍ من تقديمِ الاعتذار، وتبدأ في التعرف عليه في السيارة، فتسأله عن اسمه، فيجيب تشانس البستاني، لكن هي لم تفهم ذلك فاعتقدت أن هذا هو اسمه بالفعل، ومن هنا ستنطلق أحداث الفيلم عن معنى الحياة وكذلك الفلسفة التأويلية.
بعد أن قام طبيب العائلة بفحص تشانس، سيطلب منه البقاء في القصر لبضعة أيام، وعندما يأتي رئيس الولايات المُتحدة الأمريكية للقصر ليقابل صديقَه {زوج السيدة التي صدمت تشناس} وهوأحدَ كبار رجال الاقتصاد في البلاد ليتناقشا معا حول الوضع الاقتصادي في البلاد، وأثناء هذا الحديث يقدّم الزوج تشانس للرئيس بصفة صديقه الذي هو رجل أعمال مثله. وأثناء حديثه مع الرئيس يسأل هذا الأخير تشانس عن رأيه بخصوص الوضع الاقتصادي، فيجيب تشانس بالشيء الوحيد الذي يعرفه عن العالم وهو رعاية الحدائق والنباتات، ويعرض له فكرة توالي الفصول الأربعة وأن ذلك يسبب بعض الضرر للنباتات في فصلي الخريف والشتاء ثم تبدأ النباتات في التحسُّن مرة أخرى بقدوم فصلي الربيع والصيف وأنه يجب على البستاني الجيد أن يقوم بتنظيف التربة من النباتات الميتة حتى يسمح بنمو نباتات جديدة. هذا الكلام الذي لا يمُت لموضوع المناقشة بصلة، ولكن على نحو مغاير تماما، ينبهر الرئيس بتلك الفكرة البسيطة، ويسقطها على الوضع الاقتصادي الآني في البلاد، حتى أنه في اليوم الموالي قام بعرض فكرة تشانس في لقاء صحفي تلفزيوني أمام الشعب الأمريكي. الشيء الذي يمكن أن نربطه بفلسفة اللغة عند لودفيج فيتجنشتاين؛ عندما قال إن عملية التواصل مع شخص تحتاج مجموعة من الألعاب اللغوية حسب تعبيره. وبهذا سيصبح تشانس الذي لا يعرف ما تعنيه كلمة اقتصاد ولا يجيد القراءة والكتابة من بين أهم رجال السياسة في البلاد ومن الشخصيات المُقرّبة من الرئيس، لتنهال عليه عروض للقاءات صحفية وتلفزيونية ليعرض فكرته تلك ويصبح من أشهر رجال المجتمع.
ينقسم المجتمع في الفيلم إلى نموذجين، الأول يتمثل في مراكز القوى السياسية والاقتصادية التي تتحكم في صناعة القرار الأمريكي، والنموذج الثاني الذي يمثله “تشانس” الذي يمثل طبيعة إنسانية بسيطة وصادقة ذات فطرة نقية وسليمة بعيدة عن الصراعات السياسة، فأمنيته الوحيدة هي العيش بسلام في حديقة حتى يوم وفاته.
ينتهي الفيلم بمشهد تشانس وهو يمشي فوق بحيرة بدون أن يغرق، حيث قام بإنزال مظلته ليبين للمشاهد مدى عمق تلك البحيرة، ربما في إشارة الى أننا اكتشفنا فقط جانبا واحدا من حياة تشانس وما خفي كان أعظم، لكن عندما يختتم تشانس الفيلم بجملة “الحياة، حالة ذهنية” أي إنه يجب أن نتعامل مع الحياة ببساطة وسطحية، دون تعمق وتعقيدات.