فيلم كاتب تحت الطلب: لا أجيد أي شيء آخر غير الكتابة
لو سات أنفو محسن برهمي:
قليلة تلك الأفلام المغربية التي تسلط الأضواء على القضايا الكبرى، كالمجال الصحافي الذي يعاني في صمت، إضافة إلى المجال السينمائي وختاما بالمجال الثقافي، وخصوصا جشع والثروة الهائلة لدور النشر التي يراكمونها على حساب الروائيين والكتاب.
فيلمنا اليوم هو الفيلم المغربي ” كاتب تحت الطلب” أحد أجمل الأفلام المغربية التي عالجت الواقع، وعرت الفساد التي يطال المجالات التي ذكرناها سابقا، الفيلم من اخراج لطيف لحلو، ومن انتاج القناة الثانية سنة 2005.
من المشهد الأول بين نوال ” أسماء الخمليشي” وسعيدة “نجاة الوافي حيث يدور حوارهما حول توسط هذه الأخيرة لزوج نوال حميد “سعيد باي” الذي يشتغل ككاتب، ليعوض مكان أحمد الذي توفي حيث كان يكتب مكان شخص يدعى ادريس لمدة 14 سنة في الجريدة، بعد ذلك نكتشف أن ادريس هو مدير جريدة لا يعرف كتابة أي مقال صحفي، يطلب ادريس من كاتبته سعيدة جمع بعض المقالات ليختار من سيعوض الراحل أحمد فيقع الاختيار على حميد بعد اعجاب ادريس بسلاسة ووضوح أسلوبه، ومن هنا ستتغير حياة حميد الى الأبد، فبعدما كان يشتغل كصحفي حوادث فقط، سيكلف بمهمة جديدة وهي كتابة افتتاحيات الجريدة التي توقع باسم المدير، فيبرر ادريس قائلا أن المشكلة هي في الأفكار وليس الكتابة على حد تعبيره، فيكلف حميد بأول مهمة وهي كتابة مقالة حول الفرق بين الصحافي والكاتب، فيبدع حميد في هذا المقال باعتباره عارفا بخبايا المهنتين فهو صحفي، وروائي، وكاتب مسرحيات.
حميد ونوال زوجين في منتهى البساطة، فهما ممثلا الطبقة المتوسطة في هذه القصة ينعمان بحياة هادئة وحب متبادل وعلاقة احترام وسط شقة داخل حي شعبي، وفي الجهة المقابلة، نجد الزوجين ادريس و عتيقة ممثلين للطبقة البورجوازية، يقطنان بفيلا، بالإضافة الى امتلاك ضيعة فلاحية، تناقض اخر يعالجه المخرج، فبين حميد المخلص لزوجته، نجد أن ادريس هو زير نساء، فالحوار الذي يدور بينه وبين زوجته عتيقة هو الحديث عن الشغل وكيف يبحث عن الصحفي المثالي الذي يمكن ان يكتب مكان زوجها، أما الحب فيبحث عنه في مكان اخر، كأن العلاقة بينهما مبنية فقط على المال؛ يحافظ الزوج على منصبه كمدير وبهذا ستبقى عتيقة في الحياة البورجوازية وخادمة تطيع أوامرها.
استغلال للجريدة، حيث أقحم ادريس الذي تشرح للانتخابات الصحفي حميد في صراعات سياسية مع جهات أخرى من أجل الفوز بالانتخابات، تحول حميد من صحفي إلى عبد مطيع، حيث أصبح هو الذي يتكفل بأمور الضيعة الفلاحية، وبمجرد الانتهاء منها يسرع مهرولا لكتابة افتتاحية الجريدة أو تحقيق… دون أن ننسى استعمال الجريدة لقضاء حاجيات خاصة {صفقة مدرسة الرقص ومدير الجريدة.
بمجرد زيارة طفيفة لإدريس لمنزل حميد، ستنقلب حياة الزوجين إلى الأسوأ، فبعدما سيعجب ادريس بنوال سيفعل المستحيل من أجل بضع دقائق معها، الأمر الذي فطن له حميد، لتضييق الخناق والتحكم في حياة حميد سيقرر ادريس توريط ادريس في مجموعة من القروض، بداية بالحاسوب الذي أصبح يستخدمه بدل آلة الكتابة مقابل اقتطاع 300 درهم من الشهري، إلى شراء منزل في حي راق، ثم بعد ذلك قرض لأثاث المنزل، كل هذا من أجل شخص واحد هو نوال، حيث يستعل ادريس هذه النقطة كي ترى نوال أن هذا الشخص هو الهها المخلص من الحياة التعيسة مع حميد الذي لا يقدر حتى على التكلف بمصاريف تعلم الرقص. “حاولي تجنبه قدر المستطاع” كانت هذه نصيحة سعيدة التي فشل ادريس في كسب قلبها لصديقتها نوال من أجل احباط جميع محاولات التقرب من طرف مدير الجريدة يقرر هذا الأخير ارسال حميد لمهمة بعيدة كي يتمكن من الانفراد بنوال، الامر الذي كان، لكن تمكن نوال من الهرب بعد استدراج فاشل من طرف ادريس الذي حاول اغتصابها، الأمر الذي لم يتقبله حميد ليقرر تهديد مديره بإفشاء سرهم للعموم إن لم يسدد الديون التي تراكمت عليه بسببه.
لكي يتمكن حميد من الهروب من الجريدة يقرر البحث عن دار نشر لنشر روايته، الأمر الذي لم ينجح فيه، حيث يطالبونه بكتب حول الطبخ، أو الرقص، أو الانتظار لمدة عام من أجل قراءة فقط روايته، ليقلب الوجهة إلى كتابة المسرحيات، حيث وعده أجد المخرجين، أن أصدقاءه متواجدين بلجنة الدعم، وهكذا فإن الدعم مضمون، في إشارة إلى المحسوبية هي التي تتحكم في الدعم وليس مدى جودة العمل.
في زمن يتهم فيه الصحفيين بالتحرش والاغتصاب، نرى أن المغتصبين والمتحرشين الحقيقيين يتجولون بكل حرية بدون محاسبة أو محاكمة.
مرت 18 سنة على هذا العمل، ولم يتغير شيء في هذه المجالات، بل وازدادت سوءا، كل سنة يتراجع المغرب في تصنيف حرية الصحافة، وكذلك هجرة أقلام الكتاب والروائيين إلى الخليج، وأخيرا غالبية الأفلام المدعمة هي أفلام تجارية موضوعها الصحراء أو النسوية.