فن

فيلم اختراع الكذب: الكذب أساس استمرار البشرية

لو سات أنفو محسن برهمي:

من منّا يعلم متى قيلت أول كذبة؟ ومن الذي علّم الناس الكذب؟ نعثر على الإجابة في فيلم “اختراع الكذب” او “The invention of lying”، المأخوذة من إحدى روايات الكاتب البريطاني الجنسية الإيرلندي الأصل “أوسكار وايلد” الذي ولد عام 1854 وتوفي عام 1900، ومن أشهر مؤلفاته رواية “امرأة بلا أهمية والزوج المثالي”.

في هذا الفيلم، كانت الكذبة الأولى في تاريخ البشرية من نصيب مارك الذي يؤدي دوره الممثل والمخرج “ريكي جيرفيه”، في عالم لم يكن يعرف الكذب، ولم ترد الكلمة على لسان أبطال الفيلم ولا حتى مرة واحدة، لأنها لم تكن معروفة. تدور أحداث الفيلم في عالم لم تتطور بعد لدى الجنس البشري فيه القدرة على الكذب. هو ليس “مدينة فاضلة” فهناك اللص والحاسد والمتنمر، لكن لا أحد يكذب، يقول الناس فيه الحقيقة، حتى لو كانت مؤلمة. فمثلاً دار المسنين في هذا العالم ليست مكاناً جميلاً، بل مكتوب على بابها “مكان كئيب لكبار السن اليائسين”.

يكافح بطل فيلمنا، باستمرار في عالم مثالي حيث الصدق الكامل هو العملة الوحيدة، ويعمل في استوديو أفلام، حيث يتم إنتاج أفلام وثائقية تاريخية، وحياته الشخصية سلسلة لا نهائية من الفشل، كما أنه غير محظوظ في الحب، ورفضته المرأة التي كان يهتم بها من موعدهما الأول، وبعد أن كان مكتئباً ويائساً تغيرت حياته بسبب كذبته الأولى. ومع موهبته المكتشفة حديثاً، ينطلق مارك في سلسلة من المغامرات مستخدماً الأكاذيب لجعل حياته أكثر راحة وكسب مزايا شخصية لما لا وهو الشخص الوحيد الذي يعرف كيف يكذب، ينتشر الحديث عن قدراته بسرعة البرق، ويلجأ إليه الناس للحصول على إجابات حول المجهول. ونظراً لأن أكاذيب مارك تزداد تضخماً وانتشاراً، فإنه يواجه معضلات أخلاقية، وعلى الرغم من الفوائد والشهرة التي يتلقاها يبدأ في التساؤل عن عواقب أفعاله، خصوصاً أن أكاذيبه أصبح لها آثار عميقة على حياة الناس ومعتقداتهم. يستكشف الفيلم موضوعات الصدق والأخلاق وقوة سرد القصص في تشكيل السلوك البشري، وتأخذنا الحبكة لمنعطف مثيراً للاهتمام عندما يتحدث مارك عن «رجل» سيعاقب أو يكافئ الناس بناءً على أفعالهم، وتثير هذه الرواية حركة دينية، حيث يتبع الناس العقيدة التي تم إنشاؤها حديثاً، في رسالة إلى أن البشر و الذي صنع كل شيء، فكما صنع الكذب، هو الذي صنع بدوره الدين ليقرر مارك “الرسول المفترض” نقل أفكار هذا الرجل عبر قطعة بيتزا،

ليخفف من آلام الناس وخلق قليل من التوازن في أرجاء العالم، ليقسم مارك الناس لفئتين؛ فئة الصالحين تحصل على أحسن قصر يمكن تخيله أما الأشخاص الأخرين الذين قاموا بثلاثة أشياء سيئة فسيكون لهم مكان خاص بعيدا عن هؤلاء، لكن قبل ذلك يجب الإشارة الى رقم المنزل الذي كان مارك يقطن فيه وهو رقم 329، حيث يعني هذا الرقم:

ففي الآية 3:29 يرسل الرسول بولس رسالة إلى الشعب الغلاطي. يقول لهم أن المسيح يعتبر كل الأمم المسيحية متساوية. لذلك، يقول إنهم لا يستطيعون المجادلة مع بعضهم البعض. هنا، الرقم 329 يسلط الضوء على أهمية الوحدة والانسجام. في النهاية، فإن قوة الإله تجمعنا جميعًا معًا.

ويسلط الفيلم كذلك بروح الدعابة الضوء على إشكالية المدى الذي يصل إليه الناس في تصديق شيء ما، حتى لو كان ملفقاً. وعلى الرغم من العناصر الكوميدية، يتعمق فيلم «اختراع الكذب» في أسئلة فلسفية أعمق حول طبيعة الحقيقة، وقيمة الصدق، ودور الخداع في المجتمع البشري.

يسخر الفيلم بذكاء من عالمنا، ويكشف عن سخافة أكاذيبنا اليومية. ومع تقدم القصة، يدرك مارك أهمية الحقيقة، لاسيما في مسائل الحب والعلاقات الشخصية، ويسعى إلى تصحيح الضرر الناجم عن أكاذيبه، ويسعى إلى اتصالات حقيقية وصدق في تعاملاته. ومن خلال تجاربه يتعلم مارك دروساً قيمة حول النزاهة والتعاطف وأهمية الإخلاص في العلاقات الإنسانية.

يحتاج الواحد منا أحيانا إلى سماع ما يطمئنه، ويدخل السرور إلى قلبه: “قل لي ولو كذبا كلاما ناعما”، كما يقول نزار قباني.

لم يتعلم أحد في عالم مارك كيف يكذب، حاول أن يشرح لهم، لم يفهمه أحد، استمروا في التصديق فقط لأن مايقوله يفرحهم ويدخل الفرحة إلى قلوبهم فحتى لو كانت الكذبة صغيرة فإن تأثيرها كبير ، لكن الشخص الذي تعلم الكذب هو ابن مارك الذي ورث جين الكذب عن أبيه عندما أخبر أمه أن طعامها السيئ لذيذ الطعم.

لا أحد يعرف أين ومتى ولد مارك فقد تكون هذه مجرد كذبة مارك الأخيرة، لكن المؤكد منه، هو أن مارك أصبح داخل كل منا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى