إفريقيا ستظل ساحة صراع محتدم بين موسكو والغرب خلال المرحلة المقبلة
لوسات أنفو : خديجة بنيس
بمشاركة نحو 49 دولة أفريقية، بما في ذلك حضور 27 من رؤساء وحكومات الدول الأفريقية، وعدد من الوزراء والسفراء من دول أخرى.استضافت مدينة سان بطرسبرج الروسية قمة روسيا–أفريقيا على مدار يومي 27–28 يوليو 2023
وتهدف روسيا توسيع نفوذها وحضورها لتحقيق أهدافها ومصالحها الاستراتيجية، من خلال تجديد شراكتها مع أفريقيا وتعزيز التعاون الشامل في مختلف المجالات. إطار مساعيها لاستعادة مكانتها على الساحة الدولية عبر بوابة أفريقيا؛
وأبرز تقرير لمركز أنترريجونال للتحليلات الإستراتيجية نجاحموسكو في عقد النسخة الثانية من القمة الروسية – الأفريقية بعد عدة تأجيلات بسبب تفشي جائحة كوفيد–19. والتي تأتي في سياق دولي بالغ التعقيد، في خضم استمرار الحرب الأوكرانية التي شكلت ضغطاً على الاقتصاد العالمي، بما في ذلك الاقتصادات الأفريقية. بسبب ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة، وتزايد المخاوف الأفريقية حول إمدادات الغذاء والحبوب بعد انسحاب موسكو من صفقة الحبوب عبر البحرالأسود، وقد تبنت روسيا خطاباموجها للأفارقة بشكل أساسي خلال القمة تتنصل فيه من مسؤوليتها عن ارتفاع الأسعار العالمية.
وحسب المصدر ذاته تعكس هذه القمة تطورات في ديناميات العلاقات الروسية الأفريقيةالتي وصفها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأنها صفحة جديدة في تاريخ مشترك؛ إذ تدرك موسكو أهمية أفريقيا الاستراتيجية،مايجعلها مركز قوة جديداً في النظام العالمي؛ لذلك فهي تسعى إلى توسيع العلاقات السياسية والاستراتيجية مع الدول الأفريقية من خلال توظيف أدوات متعددة، بما في ذلك التعاون الأمني والعسكري، وتجارة الأسلحة والشراكة الاقتصادية، لكي تعزز نفوذها الاستراتيجي في معظم الدول الأفريقية.
وجاءت القمة الأخيرة في لحظة مفصلية لروسيا،حيث شكل انعقاد القمة رسالة واضحة إلى المجتمع الدولي بتغلب موسكو على العزلة المفروضة من الغرب عليها، في ضوء محاولات الغرب فرض العزلة عليها وممارسة المزيد من الضغوط من أجل إجبارها على التراجع في الملف الأوكراني، وهو ما دفع موسكو إلى اتهام الغرب وفرنسا بمحاولة ثني القادة الأفارقة عن المشاركة في القمة والحيلولة دون انعقادها في موعدها، إلا أن التمثيل الرسمي الأفريقي في القمة – وإن كان أقل نسبياً من النسخة الأولى في عام 2019 – يعكس حرص الروس والأفارقة على بناء شراكات جديدة في مجالات مختلفة.
يبين التقرير أنه في في الوقت الذي تمثل أفريقيا سوقاً واسعة للعديد من اللاعبين،تحاول موسكو بحث توسيع التجارة الروسية مع أفريقيا التي تتضاءل مقارنة بتجارة الغرب والصين؛ حيث بلغ حجم التبادل التجاري بين روسيا وأفريقيا نحو 18 مليار دولار بحلول نهاية عام 2022، في الوقت الذي يبلغ فيه حجم تجارة الصين مع القارة الأفريقية نحو 254 مليار دولار، والاتحاد الأوروبي نحو 295 مليار دولار، والولايات المتحدة الأمريكية 65 مليار دولار.
وتسعى موسكو إلى تشجيع المزيد من الشركات الروسية على ضخ المزيد من الاستثمارات الروسية في مجالات متعددة، مثل النفط والغاز والبنية التحتية والتعدين وغيرها في العديد من الدول الأفريقية.
تدرك روسيا جيدا الدورالحاسم الذي تلعبه القارة الأفريقية وتأثيرها الكبير على القرارت الدولية بحيث تشكل نسبة تصويت التمثيلية الأفريقية في الأمم المتحدة أكثر من 27% من إجمالي أصوات الدول الأعضاء. لذلك تسعى روسيا جاهدة إلى استقطاب المزيد من المواقف الأفريقية المؤيدة للموقف الروسي تجاه أوكرانيا.
واستنادا لذات المصدرتعتمدغالبية الدول الأفريقية على واردات القمح الروسي والأوكراني بنسب كبيرة، مثل الصومال وبنين التي تعتمد عليه بالكامل 100%، ومصر بنسبة 80% من احتياجاتها، والسودان بنسبة 75% من احتياجاتها، والكونغو بنسبة 69% من احتياجاتها، والسنغال بنسبة 66%، شكلت القمة مناسبة لطمأنة الدول الأفريقية حول مسألة الحبوب وقد تبنت روسيا خطابا موجها للأفارقة بشكل أساسي تتنصل في من مسؤوليتها عن ارتفاع الأسعار العالمية
وبعد أن أسدال الستارعلى أشغال القمة الروسية الأفريقية، كشفت روسيا في البيان الختامي للقمةعن خارطة طريق التي تعتزم اعتمادها لتوسيع نفوذها في القارة السمراء وتجديد علاقات الشراكة مع أقطابها في محاولة لموازنة النفوذ الغربي هناك.
ويبرز التقريرالخطة التي من خلالها ستدخل روسيا إلى السوق الأفريقية من أوسع أبوابها وذلك بتعزيز الأمن الغذائي الأفريقي من خلال إرسال شحنات القمح إلى الدول الأفريقية تعويضاً عن القمح الأوكراني، وزيادة الصادرات الزراعية الروسية، وتعهدت أنها ستظل مورداً للغذاء يمكن الاعتماد عليه.
وفي هذا الصددأعلن الرئيس بوتين توريد بلاده القمح مجاناً إلى 6 دول أفريقية خلال الشهور الأربعة المقبلة، وهي دول بوركينا فاسو وأفريقيا الوسطى ومالي وزيمبابوي والصومال وإريتريا.
وجاء في البيان أن موسكو اقترحت تدشين خطة لتنشيط التنسيق في قضايا السياسة الخارجية مع الدول الأفريقية، في إشارةٍ إلى مساعٍ روسية لحشد الأفارقة من أجل الدفاع عن قضاياها في المحافل الدولية. وتوسيع العلاقات الدبلوماسية والسياسية بين روسيا وأفريقيا.
وأشارالرئيس بوتين إلى وجود خطة عمل مع أفريقيا تستمر حتى عام 2026 تهدف إلى زيادة التبادل التجاري وتطوير البنية التحتية وتداول التعامل من خلال العملات الوطنية.
ومع تصاعد النشاط الإرهابي في عدد من المناطق الاستراتيجية، مثل الساحل وغرب أفريقيا، قدمت موسكو خطة للتعاون الأمني والعسكري والإستخباراتي في مواجهة تحديات الإرهاب في أفريقيا من خلال التعهد بإرسال السلاح مجاناً لتعزيز الأمن والاستقرار في الدول الأفريقية.
ويشير المركز إلى عزم روسيا استقطاب العسكريين ومسؤولي أجهزة الأمن الأفارقة للتدريب في موسكو، لا سيما أنها تقدم المساعدة العسكرية للدول الأفريقية من خلال تزويد نحو 40 دولة بالأسلحة للجيوش الوطنية في إطار اتفاقيات ثنائية، وفقاً للتقديرات الروسية.
وفي الختام اعتبر مركز أنترريجونال للتحليلات اللإستراتيجية هذه القمة مسرحاً لروسيا لتعزيز موقفها الجيو ستراتيجي على الساحة الأفريقية في مواجهة الغرب، وهو ما يعني أن أفريقيا ستظل ساحة صراع محتدم بين موسكو والغرب خلال المرحلة المقبلة؛ الأمر الذي ستكون له تداعياته السلبية على أمن واستقرار القارة، كما سيهدد الاقتصادات الأفريقية بمزيد من التأزم في ضوء اعتمادها بشكل كبير على إمدادات الغذاء والطاقة من الخارج.