عن العزلة ومحاولات هدمها…
زكريا ديناوي
في اختراع العزلة هدمت نفسي تماما. في حكاية يكشف فيها بول اوستر كل جوانب روحه ويحكي قصة مؤلمة عن عائلة أوستر.
ينقسم الكتاب إلى جزأين:
بورتريه لرجل غير مرئي:
يسرد بول اوستر قصة والده بعد وفاته، ويحكي تاريخ مليء بالجرائم في عائلته انطلاقا من وفاة جده إلى المكائد المحاكة حوله.
يقول اوستر عن وفاة والده “لا شىء أكثر رهبة من مواجهة أغراض رجل مات، الأشياء تهمد أيضًا، فمعناها كامن فى دورها خلال حياة صاحبها وحسب، وعندنا تتوقف تلك الحياة، يجرى داخل الأغراض تحول ما، حتى بدت باقية كما كانت، إنها هناك فى مكانها وفى نفس الوقت ليست هناك، إنها أشباح ملموسة، ومحكومة بالبقاء على قيد الحياة فى عالم لا تنتمى إليه”.
اختراع العزلة:
ان اختراع العزلة مفهوم مرتبط بالعزلة التي عاشها والد بول انها عزلة خاصة متمثلة في الانكماش على الداخل وعلى فقدان التواصل مع بول، عاش والد بول حياة مزدوجة وغامضة كما تأثر بالجرائم التي لطخت عائلته، فقد توفي جد بول اوستر على يد زوجته، هاته الفاجعة والاحداث المترتبة عنها شكلت أب بول الكتوم والمنعزل تماما .
شاهد سام اوستر (أب بول أوستر) أمه تقتل والده في المطبخ وعاش حبيس هاته الحادثة، يعود بول بعد سنوات لاكتشاف الحقيقة. لكن ما ينهش الروح هو نظرة بول لأبيه ومحاولات العطف عليه وتحليلاته لكل تفصيلة. انها الخطوة التي لم يستطع القيام بها اتناء حياته.
يقول «بول» انه لم يجد الكلمات حينها لكنني موقن انه كان ينتظر الموت، الموت يحررنا تماما.
ينكسر الشعر في «بول» ( هو الذي كان شاعرا قبل أن يتوجه للسرد) ويخرج على شكل نثر واحساس باليتم. ليس منذ وفاة والده لكنه احساس باليتم منذ طفولته.
وفي محاولة أخيرة يمرر قلمه على كل هاته الجراح، وعلى كل هاته العزلة الخانقة. في عزاء اخير للروح، للفقد وللابن في محاولة فهم أبيه. وفي محاولة التماس الأعذار له…
الجزء الثاني: كتاب الذكريات
في كتاب الذكريات يتحدت بول عن العزلة وعن الذاكرة وعلاقتها بالأدب كما يصف تجربته مع الترجمة وأهمية العزلة للكتاب وتأثيرها على الفن.
العزلة هي المنتِج الأول للفن، وهي الكاشف الذي يمنحنا فرصة الاعتراف والتعرّي أمام أنفسنا، فلا يمكننا أن نجد كاتبًا حقيقيًّا لا ينعزل أثناء الكتابة، حتى وإن كانت غرفته ملأى بالأشخاص.
أين ينتهي الكتاب وأين تبتدأ أنت ؟
في حكاية بول أوستر اهدم نفسي لقطع صغيرة ربما هي تعرية للروح مرتبطة بعلاقة بول بوالده ومحاولة اسقاط مشابهة على كثتة مهمة من العزلة ومشاعر اليتم في غياب الموت. لكن مشاعر اليتم تكون حاضرة بفعل العزلة، وربما للمحاولة ضد هاته العزلة. فهي تثمل ككرة بلورية ضخمة فاصلة بين الأب وابنه..
ضبابية و شفافة لكنها عزلة تستحق العناق والكسر.