الرأي

عزيز غالي.. هيئة التدريس والعطاشة

عبد الإله إصباح/كاتب و محلل

أثار رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان السيد عزيز غالي جدالا واسعا إثر نشره تدوينةعن مشاركة هيئة التدريس في عملية الإحصاء العام التي ستجري طيلة شهر شتنبر 2024 . وقد اعتبر هذه المشاركة ستتم على حساب المصلحة الفضلى للتلميذات و التلاميذ إذ سيحرمون  من جقهم في التعليم طيلة مدة الإحصاء ولذلك فالمكان الطبيعي لهيئة التدريس خلال هذه الفترة هي حجرات الدرس بدل المشاركة في عملية كان الأجدى أن تسند للمعطلين \اصحاب الشهادات المحتاجين لدخل ولو مؤقت، بالإضافة إلى  أنهم سيستفيدون من تكوين مهم ومفيد  مرتبط بالإحصاء. غير أن السيد عزيز غالي عبر عن هذا الرأي بطريقة أغضبت طيفا واسعا من الجسم التعليمي عندما وصف المشاركين في الإحصاء بأنهم ” عطاشة “

وذلك في نص تدوينته التي تقول بالحرف ” هذا تعليم طبقي أولاد الشعب في الزناقيوالعطاشة في الإحصائي” وسياق  ورود عبارة ” العطاشة” تحيل إلى معنى مسيئ وقدحي فعلا لأنه أوردها في سياق استهجانه للمشاركة في الإحصاء، و لا يمكن بالتالي أن يفهم منهاأي معنى إيجابي أو معنى محايد. وبالرغم من أن رئيس الجمعية نفى في تصريح أي نية للإساءة من خلال شرحه لمعنى العبارة في اشتقاقها وأصلها الفرنسي، إلا أن ذلك لا يجدي، لآن دلالة أي عبارة لا تتحكم فيها نية من صاغها فقط إذا افترضنا أن ذلك ممكن، و إنما هذه الدلالة يتحكم فيها بالضرورة المتلقي وسياق تلقيه لها، والسياق كما أشرنا يغلب الدلالة السلبية والقدحية التي تنقص من المشاركين في الإحصاء و تعتبرهم تقهقروا من مستوى الأساتذة إلى مستوى ” العطاشة” . وهنا تنضاف إساءة أخرى لشريحة من الكادحين المعروفين بهذه العبارة، فرئيس الجمعية لم يجد ما يستهجن به فئة من الأساتذة إلا بالإحالة إلى من يزاولون الإعمال الشاقة في أداء مهام يتلقون عنها أجرا هزيلا.

من حق رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان أن يعبر عن رأيه ويدافع عن المدرسة العمومية وعن حق التلاميذ في التعليم، ولكن كان عليه تجنب استعمال أي عبارة يفهم منها القدح والإساءة، وكان من الأجدر توجيه اللوم إلى وزارة التربية الوطنية لأنها سمحت للأساتذة المشاركة في الإحصاء وهي تعلم تزامنه مع الدخول المدرسي، وأكثر من ذلك أصدرت مذكرة في نهاية السنة الدراسية تحدد موعد هدا الدخول في بداية شتنبر وتؤكد على ضرورة التقيد بمجموعة من المواعيد المتربطة بتواريخ التقويم التشخيصي والمراقبة المستمرة والامتحانات الإشهادية. فالوزارة إذن هي المسؤول الأول عن أي اختلال محتمل  أثناء الدخول المدرسي المقبل. ولو أن رئيس الجمعية وجه لومه للوزارة لكان محقا تماما، لأنها برمجت الدخول المدرسي في توقيت غير مناسب وكان الأولى تأجيله إلى فاتح اكتوبر، إذ لا يعقل أنها لم تكن تعرف تاريخ إجراء الإحصاء. ثم إن التوجه إلى الوزارة بالخطاب ينسجم تماما مع منهجية الجمعية المغربية لحقوق الإنسان في التعاطي مع الخروقات، فهذه المنهجية تعتبر أن المصدر ألأول لانتهاكات حقوق الإنسان هو الدولة، ولذلك فتقاريرها السنوية الراصدة لهذه الانتهاكات تدين الدولة أولا وأخيرا على اعتبار ان الانتهاكات المحتمل صدورها من أفراد أو فئات اجتماعية يتم التعاطي معها من خلال التوعية ونشر ثقافة حقوق الإنسان على نطاق واسع في المجتمع.

إن الوضع الاعتباري لرئيس الجمعية يفرض عليه قدرا من التحفظ، وحذرا في استعمال الألفاظ وانتقائها، ألفاظ لا تمس بالكرامة وتتسم في دلالتها بالنسبية وتجنب الدلالة الأحادية والمطلقة، فبدلا من استعمال الفاظ يساء فهمها كان من الممكن التعبير عن رأيه باستعمال عبارات أعتقد وأظن ‘ كأن يقول مثلا ” أعتقد أن مشاركة الأساتذة في الإحصاء غير مناسبة لأنها تتزامن مع الدخول المدرسي وهو ما سيؤدي إلى حرمانهم من حقهم في التعليم” .  نعم الصرامة مطلوبة في مواجهة السلطة ولكن اللباقة مطلوبة في محاطبة الفئات و الشركاء والراي العام، والجمعية في غنى عن أن يساء فهمها لكي لا تعطي الفرصة لأعداء حقوق الإنسان  للنيل منها و التضييق عليها وتشويه سمعتها

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى