مذكرات
عبد الجبار التابي يكتب : نصف قرن في بحر السياسة، مطلا أو سابحا ( الحلقة1-2)
مذكرات الاستاذ عبد الجبار التابي
1- اكتشاف النقابة الوطنية للتلاميذ، مراكش 1974.
بثانوية أبي العباس السبتي و داخليتها، حللت رفقة مجموعة ابن جرير لننضاف لتلك التي سبقتنا ،و أخرى من مختلف مدن الجنوب، خاصة قلعة السراغنة و وارززات، بينما تحتضن ثانوية محمد الخامس مجموعات التوجه الأدبي.
حاملا معي شغب و مرح و “انفتاح” شباب دوار الفريقية، و قليلا من كتاب جمال عبدالناصر “فلسفة الثورة” الذي صادفته ضمن أغراض الوالد. لا أدري و لم أسأل من مده إياه، لكني كنت أعلم أن المحيط البسيط بالبيضاء المتأثر بالمقاومة المغربية و بشخص عبد الناصر، لابد ان يترك بصمته فيه و هو الرجل ذو الأنفة النادرة.
حاملا، كذلك، الأثر العميق التي حفرته في، أول رواية قرأتها بشغف كبير : الأم لمكسيم ݣوركي، إضافة لقليل من الزاد المعرفي، المحصل عن طريق الصدفة من بعض المجلات.
كانت أصداء إضرابات التلاميذ بثانوية أبي العباس السبتي، قد وصلت إلينا سنة من قبل، عن طريق الأصدقاء الذين عاشوا “السنة البيضاء” 1972، أو التي تلتها.
أنصت لروايات التلاميذ، حول جرأة و مستوى و تكوين و شجاعة بعض الأسماء المتداولة كثيرا.أنتبه لسلوك مجموعة القلعة
و أفراد من الجنوب، لكونهم يشكلون نخبة الداخلية، المعبئة و المحرضة و الرابطة الوصل مع مجموعات التلاميذ الخارجيين.
كان أول شعار سمعته ” التضامن هو الأساس ب ليسي أبي العباس” و لاحقا أكثر الشعارات قوة ” أو تشي ، يا بطل الجبال، غدا سنلتقي في بوليفيا، في أنغولا، في الموزنبيق و في الرباط
التحقت بجل الوقفات داخل الثانوية و تحمست لكل إضرابات الداخلية. كانت تتردد، دون حرص، همسات حول التلاميذ المعتقلين، خاصة ع- ز / و ح-ب.
و التلاميذ القادة : ع-لح/ ت-م/ ب-م/ م-م/ف-ع/ع-س/ج-ض.
يوما، خارج هذه القائمة، في ساحة الثانوية، اقترب مني أ-ج/
أخرج من جيب معطفه الطويل، ورقة مزدوجة، بعد التحية، ناولني إياها بحذر شديد و قال لي : أقرأها و أعدها لي .
بسرعة، ذهبت للعنوان : ما هي الإشتراكية.
سأكون بذلك بأول تماس مع النقابة الوطنية للتلاميذ.
فهمت من تسليمي، الورقة حول الاشتراكية، أن العلاقات ليست فردية، بل أن خيطا يجمعها و يتتبع و ينتقي التلاميذ، الممكن ادراجهم في حلقات تكوينية، لكن ما لا أفهمه، هو معيار الإختيار.
بعد أيام، اتصل بي أحد التلاميذ و طلب مني أن ألتحق بموعد تكويني، حدد موعده في نصف ساعة بعد حصة المراجعة المسائية. كنا أربعة، أعرف واحدا فقط. استوينا في جلستنا، أخرج، من يبدو أنه منسق المجموعة، كتابا و قال هذا مؤلف للقائد الثوري الصيني، ماو تسي تونغ اسمه : في التناقض، سنبدأ قراءته و الخروج بخلاصات فورية حوله دون تدوين اي شئ.
كان المحتوى أصعب من أن نفهم المقصود و المعنى، رغم ذلك حاولنا أن نبدي ما بدا لنا رأيا.
في اللقاء الثاني، صرنا ثلاثة فقط. بكثير من الفضول، فهمت من أحد الأصدقاء أن مجموعات أخرى، تجتمع في أوقات مختلفة، دون ان تعلم ببعضها البعض.
– حدث أن قاطعنا أحدى وجبات العشاء، و في اليوم الموالي، خضنا احتجاجا على جودة الأكل، الذي كان، بمعيار داخليات اليوم، رفيعا كما و نوعا. تردد في الساحة إسما الحارس و المقتصد.
في المساء، أعلن الحارس عن اجتماع طارئ لكل الداخليين. بدأ متوثرا و متوعدا، ناعتا متزعمي الاحتجاج بالسفسطائيين. السفسطة هي التي ستغيير طبيعة الاجتماع و العلاقة اللاحقة. تدخل تلميذان ليستفيضا في معنى السفسطة و الفلسفة و الفرق بينهما. حل الاحترام و الود.
– اشتغال ن-و-ت، يمتد إلى النقاش العلني القضايا الدولية، للمسرح و السينما.
من نقاشات بعض حلقات الساحة المدرسية :
هل ما تنشره بعض الجرائد المغربية، حول تعريب التعليم، في عمود ، قل أو لا تقل، هو معنى و جوهر ما نسعى إليه.
– يمكن اعتبار، إيران الشاه و ابرازيل العسكر من الامبرياليات الصغرى.
– ينتقل العقل من التركيز إلى الفرجة.
أمسيات السبت خارج سهرات أم كلثوم، يزينها مسرح الهواة. شباب يتقن الحركات، يبدع في اللغة الدارجة بعمقها و تنوع مفرداتها، يعطيها كل منا البعد و المعنى الذي يفهم. لكن نتوحد على رقي المسرح و ارتباطه بنا و قدرته على “رهن” عقولنا في فضاء الجمال و الإبداع.
– نحن القادمون من المداشر و القرى، كانت تأسرنا في بلداتنا،السينما المتنقلة، سينما الخوارق و القصص الحالمة، صرنا
جالسين على مقاعد وثيرة بسينما كوليزي، صحبة جمهور منضبط و عالم. نتحول من سينما الحركة و البساطة التي ألفناها، إلى موضوع التركيز على المعنى.
إنه النادي السينمائي المغربي، برواده و قاماته. مع الفيلم المغربي ” وشمة” و الروسي “le cuirassé de Potemkine
و قبلهما بمكان ٱخر، في حضرة جمهور منتقى بالمركز الثقافي الفرنسي، أخذناgerminal مباشرة إلى شرارات الثورة الفرنسية.
يتبع …