الرأي

عادل البوعمري: قدموا لنا شبابا يسعى إلى التنظيم، نقدم لكم تنظيما يسعى إلى التغيير

حول المؤتمر الاندماجي لشبيبة اليسار الديمقراطي

عادل البوعمري

تعقد شبيبة اليسار الديمقراطي بالمغرب، شبيبة حزب فيدرالية اليسار الديمقراطي، مؤتمرها الوطني الإندماجي، أيام 24، 25، 26، نونبر 2023، تحت شعار “مستمرون معا، من أجل العدالة الإجتماعية” شعارا مرحليا لها. وعرفت الأيام القليلة الماضية قبيل انعقاد هذه المحطة المفصلية في تاريخ الشبيبات الثلاث – حركة الشبيبة الديمقراطية التقدمية، الشبيبة الطليعية، شبيبة المؤتمر الوطني الإتحادي – تتويجا للصراعات المريرة التي خاضتها وخاضها مناضلات ومناضلي الشبيبات من أجل الحرية والكرامة والعدالة الإجتماعية، إضافة إلى المواقف المشرفة التي تخدم الشباب الكادح والعامل بالأساس عبر هذا التاريخ النضالي والذي لا ينكره إلا جاحد أو جاهل – نقاشات واسعة في الجنبات، وصلت إلى طرح أهم النقاط والقضايا التي لا يطرحها إلا شباب مناضل جدي، يسعى حقيقة إلى تحقيق العدالة الإجتماعية على أرض الواقع، هنا والآن، عملا وليس شعارا فقط، ولو على سبيل طرح التساؤل. فبالإضافة إلى الأوراق المعروضة المنتظر أن يصادق عليها المؤتمر، كان أهم هذه النقاشات هو طبيعة هذا التنظيم وقيادته وتوجهها التنظيمي مستقبلا، والقضية الأهم، كيفية تفعيل هذه الأوراق والشعارات.

إن هذه الحاجة الملحة في طرح هذه القضايا بين صفوف مناضلاتنا ومناضلينا الذين لا زالو يؤمنون؛ بالعمل، بالتغيير، بمغرب آخر ممكن، نتيجة لتفاقم الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية ببلادنا، تدفعنا إلى التركيز المطلق رغم الإكراهات والمعيقات الذاتية والموضوعية، والإنتباه إليها بشكل جدي ومسؤول كي نحاول الرقي بهذا النقاش إلى المستوى المطلوب والدفع به إلى الأمام وترجمته إلى تصورات واقعية وعملية، والتأكيد المطلق لرفيقاتنا ورفاقنا على أن هذه الرغبة في التغيير، وبشكل جدي لا رجعة فيه، يتقاسمها العديد والعديد من الغيورين والغيورات على كادحي وكادحات هذا الوطن الجريح، وبالخصوص، من داخل تنظيماتنا الشبيبية المندمجة هذه.

الظروف السياسية المزرية ببلادنا والأهداف التي من المفترض علينا أن نسعى إلى تحقيقها كشبيبة مناضلة، تفرض علينا ضرورة التقيد الصارم بنظرية علمية حقة للواقع الملموس، هذه النظرية التي لا يجب تشويهها والحط منها إلى مرتبة النظريات المثالية أو الأفكار المجردة كما يفهما البعض. وإذا لم نعر الإهتمام الكافي لهذه المسألة بالذات، فمن المؤكد أن السياسة الإنتهازية المتفشية والمهيمنة على تنظيماتنا السياسية عبر عقود من الزمن، ستدفعنا لا محالة إلى إرتكاب أخطاء جسيمة تؤثر سلبا على تنظيمنا الشبيبي المرجو مستقبلا، بل وحتى على حركية المجتمع ككل.

إن هذه السياسة الإنتهازية، والتي تعيق تطورنا ونعنيها من داخل صفوفنا اليوم، لم ترقى بعد إلى أن تصبح سياسة إنتهازية كتوجه فكري وسياسي تمارَس بشكل واع ومنظم من داخل الصراع الطبقي والتنظيمات بشكل عام. المسألة ليست هكذا أبدا. السياسة الإنتهازية التي نعنيها اليوم، اهتمامها الواع منصبّ على تشويه الصراع الفكري والسياسي وتحويله إلى حرب ضروس على المناضلات والمناضلين كأشخاص وأفراد وليس كأفكار ومواقف. إن هذه السياسة الإنتهازية تحاول جاهدة تمييع الصراع وخلق توافقات واهية منطلقة من أرضيات فارغة تسلقية تختصر التنظيم في هذا المقعد أوذاك، على قاعدة تلك المصلحة أو تلك. هذه السياسة الإنتهازية تسعى إلى تحوير النقاش، من رؤية واضحة للشبيبة وسير أجهزتها ورغبة مناضليها ومناضلاتها في التأثير الفعلي على حركية المجتمع المغربي والإستفادة من التاريخ ودروسه وعبره وعدم تكرار نفس الأخطاء وانتظار نتائج مختلفة، إلى رؤية حمقاء لم يعد يطيقها أحد، مفادها أن هذا الصراع الدائر هو محاولة لتصفية الحسابات الذاتية بين هذا وذاك، أو البحث عن النجومية عبر الكتابة أو الجهر العلني بالمواقف. إن هذه السياسة الإنتهازية نفسها، هي التي لم تعد تستطيع استيعاب وجود مناضلين ومناضلات، في ظل هذا الإنهيار التام للمجتمع وتفشي مبادئ الفردانية في التعاطي. مناضلات ومناضلين يؤمنون أشد الإيمان بالشعب الكادح والمحروم، ويصارعون برفقته من أجل تحطيم الأغلال، من أجل التحرر من ظلم الفساد والفاسدين والإستبداد والمستبدين.

لسنا مثاليين في تحليلنا ولا طوباويين في تفكيرنا علاقة بذواتنا قبل التنظيم. ولسنا أبطالا خارقين ولا ملائكة ولا ندعي! إننا نعي أشد الوعي بأننا نتاج للصراع الطبقي، أفكارنا، سلوكياتنا، واقعنا الإقتصادي والسياسي والمجتمعي، نتاج للصراع الطبقي. “

إن الماركسية تقدم لنا الجواب الشافي على هذه المثالية التي تحاصرنا بفهمها القاصر، فانخراط المناضلين ضد الإنتهازية وسلوكياتها ليست رغبة ذاتية لدينا بقدر ما هي تعبير عن الضرورات التاريخية التي تنبثق من قلب الصراع، من قلب الصراع الطبقي. فهذا الأخير هو الأساس المادي الذي يحدد الضرورات والحاجات التي تتطلبها الحركة. إن هذه الحاجات تجد طريقها نحو الواقع عبرنا، عبر المناضلات والمناضلين الذين ينخرطون في تلبية هذه الحاجات. وهنا تتحدد المواقع، وتُبنى التحالفات، وكل يأخذ موقعه في التكتل والدفاع عن هذه الطبقة أو تلك، عن هذه الفئة أو تلك، عن هذه الأيديولوجيا أو تلك”.

إن رفيقاتنا ورفاقنا الذين سئمو هذه المشاهد الكرتونية، يستقبلون هذه السلوكات البالية بالسخرية ولامبالاة، لتأكدهم من عدم جدواها في المساهمة في بناء أي شيء، وأنها لا تزيد إلا الطين بلة. ويركزون أعمق التركيز على التناقضات الرئيسية وأهمها، إبداع كل السبل التنظيمية الممكنة لتنزيل شعار العدالة الإجتماعية من اليافطة إلى الواقع المعاش.

إن المؤتمر الإندماجي لشبيبة اليسار الديمقراطي لا يمكن إلا أن يكون نتاجا لحركية المجتمع، ولا يمكن إلا أن يفرز قيادة حقيقية تقود هذا التنظيم والمجتمع بشكل عملي نحو العدالة الإجتماعية وجعلها حقيقة معاشة. قيادة تعي أشد الوعي أن غالبية الشباب المنتمي للطبقات الكادحة والمهمشة يحاول بكل الوسائل الهروب من هذا المعتقل القاسي والضخم، عن طريق الهجرة والإنتحار. قيادة تعني لها العدالة الإجتماعية بشكل واضح وصريح، إنتهاء هذا الإعتقال الجماعي التعسفي، عقاب جماعي دون خطيئة أو ذنب. قيادة، تعي أن العدالة الإجتماعية تقوم على أساس، تعليم شعبي متقدم، مستشفى شعبي متقدم، مؤسسات مواطنة متقدمة، صناعة تكنولوجية متقدمة، توزيع عادل للثروات السمكية، عائدات الفوسفاط، عمل شريف للجميع، سكن لائق للجميع، حقوق وواجبات وربط المسؤولية بالمحاسبة، في أجهزة التنظيم أولا قبل أجهزة الدولة.

وإذا انطلقنا من هذا الفهم المركز والمادي لمعضلة “من نحن ؟” وأردنا بهذا الفهم “الإعتقالي الجماعي” تبسيط هذه المعضلة وتفكيكها من كل الخلفيات الأيديولوجية الممكنة، واتفقنا على قاعدة أولية، واقع الكادحين والكادحات، يحتاج قادة شبابا يتحدون ويتوحدون على مطالب واضحة وعمل تكتيكي مرحلي وآني، بفهم واضح للمسألة ولدورنا ووجودنا كتنظيم شبيبي من الأساس، سنفهم أننا في حاجة ماسة إلى شبيبة اليسار الديمقراطي واعية ومنظمة، وقودها هذه المنطلقات والغايات، ليسهل علينا استنباط معضلة “ماذا نريد؟” فتتضح لنا صورة الشبيبة التي نريد، عن طريق طبيعة قيادتها المفترضة، هل تتوفر على الميكانزمات المطلوبة لوضع آليات عملية فعالة لخوض هذا الصراع الواقعي، أم لا.

بتتبعنا للمشهد السياسي، والتواجد الجاد والحيوي لرفاقنا في الصراع، رفاقنا العاملون على التغيير، بداية بالاعتصام المراطوني البطولي لخميس أيت عميرة والدفاع المستميت عن حق الساكنة في أولويات متطلبات البقاء على قيد الحياة، ولو في هذا j”المعتقل الكبير”، وهو الماء الصالح للشرب. إلى المحاربة البطولية للمشغل الفاسد الذي يرتدي جلباب النضال ضد المشغلين الفاسدين صباح مساء وفضحه للعلن. إلى الدروس الجماهيرية لرفاقنا بسوق السبت ولاد النمة وإبداعهم لأساليب متعددة للنضال الجماهيري والمؤسساتي. إلى فضح الفساد الإنتخابي الذي خاضه رفاقنا بتيفلت. إلى النضال العنيد الذي يخوضه رفاقنا من داخل المجلس الجماعي بالرباط ضد الفساد المستشري وفضحه، إلى رفاقنا بالمعارضة بجماعة قصبة تادلة، إلى العمل الجبار لرفاقنا بالكونفيدرالية الديمقراطية للشغل والجمعية المغربية لحقوق الإنسان وجمعية المواهب للطفولة والشباب. إلى كل العمل من داخل التنسيقيات والمنظمات الجماهيرية. كل هذه الصراعات البطولية واللائحة طويلة وطويلة وطويلة جدا، تستدعي منا دراسة مجدة ومعرفة بأدق التفاصيل وفهمها، ونقدا ونقدا ذاتيا حازما لهذ الحركيات والأساليب النضالية من داخلها، لاستخلاص الدروس وتعميمها على باقي رفيقاتنا ورفاقنا، في كل القطاعات وفروعنا، في كل أرجاء هذا المعتقل.

إن شبابنا الواعي اليوم يحتاج شبيبة واعية ومنظمة. شبيبة تستطيع توحيد كل هذه النضالات في ماكينة واحدة وقيادتها، تستطيع ترجمة معاناة بنات وأبناء الشعب إلى مطالب سياسية واضحة وعمل جماعي منظم، شبيبة تستطيع إدارة هذه الماكينة الشبابية الهائلة المتواجدة في مجتمعنا، نحو العدالة الإجتماعية المرتقبة.

ومع اشتداد الصراع، لطالما يفرز الصراع خطان، إما حركة من أجل الحركة، إما حركة من أجل الهدف المنشود، وعلى عاتقنا الإختيار بشكل جاد ومسؤول. قدموا لنا شبابا يسعى إلى التنظيم، نقدم لكم تنظيما يسعى إلى التغيير.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى