الرأي

صراع الأجيال وحتمية التغيير

حسن أوزيادي

الظاهر للعَيان هو حراك مجتمعي حول نقطة خلافية جوهرها النظام الأساسي الجديد، والدي خلق توترا واحتقانا اجتماعيا تتسع رقعته يوما بعد يوم. لكن الباطن ما فتئ يبوح بأسراره الخفية حتى تداعت الأسئلة العميقة بِإشكالاتها البنيوية حول راهن المجتمع المغربي، فكريا وقيميا وسياسيا واقتصاديا.  إشكالات ترخي بظلالها على الوعي الجمعي، من خلاله وعبره تتناسل استفهامات عدة حول مالات هذا التجاذب، أو بشكل أدق هذا الصراع. هل دقت ساعة التغيير؟ أم أن حتميته تلوح في الأفق؟ ألا يقود هذا الصراع إلى صدام فكري وقيمي بين جيلين؟

  جيل جديد واعٍ ومتشبع بفكر وفيم حقوقية وإنسانية كونية راكمها من خلال مساره الحياتي، تواقٌ إلى التغيير بفعل الطفرة التكنولوجية و الانفتاح على الثقافات والقيم والأفكار الكونية التي جعلته يُحدِث مقارنات مجتمعية مكنت شباب الضفة الأخرى من العالم  من المساهمة  في قرار البناء والتنمية عبر مؤسسات الدولة المدنية الحديثة من جهة، ومن جهة أخرى يرى نفسه قابعا في واقع مجتمعي حاضن، بامتياز، لوعي شقي وإحساس بغربة  قاتلة رافقه  منذ الولادة.

 وجيل قديم تشبع بقيم ريعية أَلِفها وتوارثها أَبا عن جد ، دون عناء أو جهد، ألِفها حتى صار التفريط فيها انتحاراً اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا، الشيء الذي يفسر ضعف القيم المواطِنة لديه و عدم الاكتراث للمخاطر التي تهدد استقرار المجتمع، مراهنا على مصالح خاصة  أكثر من الرهان على وطن عادل ومنصف. مما يفسر استماتته في الدفاع بقوة عن الريع  المألوف بشتى الطرق، غير آبه لمستقبل أجيال جديدة، قادمة من رحم المعاناة وضنك العيش، آملة ومتمنية الإنقضاض على فرصة في ترقي السُلم الاجتماعي.

جيل جديد وجد نفسه خارج دائرة الاهتمام، منبوذا يجاري قدره الاجتماعي بغصة وغضبة وحزن. مترجيا  العَدَمَ في تولي مصيره.

     حراك أو صراع محتدَم بين جيلين، مظهره صِدام واحتقان اجتماعي حول نقط خلافية، لكن عمقه فكري وثقافي وقيمي. استمراره بلور ظاهرة اجتماعية تعكس جوهر الخلاف والاختلاف في وجهات النظر المرتبطة بالتدبير المؤسساتي، السياسي منها والنقابي والاقتصادي والاجتماعي والتربوي والثقافي والرياضي، رزمانة  إخفاقات ، تحتكم في جوهر تدبيرها  لمنطق الولاء السياسي والسلطوي المُكرس للعلاقة  السريالية بين الشيخ والمريد بقيم الرضى والطاعة أولا قم المصلحة الخاصة ثانيا، بدل الكفاءة والتنافس الشريف.

هذا الاستخفاف بالكفاء شكل تراكما نفسيا وذهنيا لدى الجيل الجديد وصار كالفتيل الذي يشعل ويؤجج نار الصراع.

هو صراع ومحرك هام نحو التغيير والتطوير. وقوده فكر جديد بحركات اجتماعية جديدة و برهانات مستقبلية جديدة وأفكار وقيم جديدة ترفع السقف من المطلب المهني الخالص إلى مطلب المجتمع الديمقراطي العادل والمنصف بمؤسسات نزيهة وشفافة، ليس ريعا، أو وفق كوتا سياسية معينة أ وتقطيع هندسي للجغرافية السياسية.

     في التطور التاريخي للمجتمع البشري لا شيء يبقى ثابتاً في الكون وفي الحياة او الفكر، التطور متواصل بلا توقف،      الصراع والتفاعل يؤدي الى نفي النفي. نفي البنيات الفكرية السابقة والمتداعية بفل تناقضاتها الداخلية. لهذا وجب التسطير على منطق الطبيعة والكون والفكر. ما يعتمل داخل المجتمع المغربي اليوم هو صراع أجيال، مصيره في النهاية إحداث التغيير وتطوير المجتمع. منطق حتمي لا محيد عنه.فحسب المثل الشهير لفريدريك انجلز” تزرع حبة الشعير فتتحول الى نبتة، النبتة تنفي حبة الشعير، لكن النبتة تنتج مئات من حبات الشعير التي تنفي النبتة. النبتة نفت الحبة والحبوب قامت بنفي النبتة التي نفت الحبة”.

التغيير حتمي في الحياة، حيث أن العالم يتغير باستمرار، والأفكار تتغير، والقيم تتبدل. هذا التغيير لا يمكن إيقافه، ولا يمكن تجاهله، بل يجب أن نتعلم كيف نستثمره.

إن راهن المغرب لا يمكن استثناءه عن هده القاعدة. هي مقدمات نحو التغيير، لأن منسوب الوعي الاجتماعي لدى شريحة كبيرة من المجتمع قد ازداد وتطور بسبب انتشار المعلومة على وسائل شبكات التواصل الاجتماعي و دمقرطتها أزاح اللبس و الغموض عن كل ما يؤتث فضاءاتنا من إشكالات واختلالات سياسية واقتصادية ومجتمعية.

 فقضية النظام الأساسي الجديد كالشجرة التي تخفي الغابة. لأن الأساس في الأصل غابة من الإختيارات الإستراتتيجية الغير الصائبة والتي تُضعف القدرة الشرائية لشرائح وفئات هامة في توازن المجتمع المغربي.

إنه صراع بين بنيتين فكريتين متناقضتين وطبقتين اجتماعيتين، بعدما تم تحييد الطبقة الوسطى وإلحاقها بالقاع الاجتماعي. إذن فمن الطبيعي أن تتعمق الهوة بين المرجعيتين الفكريتين وتتناقض الرؤى وبالتالي اشتداد الصراع وتعبيراته في انتظار أن يأتي الشارع بالحسم. خرجت الطبقة الوسطى كمتدخل جديد عبر حركة اجتماعية جديدة متصدية بشراسة لهذا الهجوم الممنهج على قدرتها الشرائية وتحييدها من معادلة التوازن الاجتماعي، وتبخيس دورها  كطبقة واعية وطليعية في قيادة التغيير. بدخولها الحراك  التعليمي وتعبيرها المستقل ووعيها بكل الإشكالات والاختلالات التي صاحبت تدبير الحكومة  الحالية لمجموعة من الملفات، ويقظتها بكل ما أحاط بعملية التفاوض حول النظام الأساسي، فقد أخذت المبادرة للتعبير عن ذاتها بكل جرأة ويقين، غيرت موازين القوى على الساحة  وأعطت للملف زخما شعبيا  ربطته بالهجوم على المدرسة العمومية  وتأزيمها عملا بتوصيات صندوق النقد الدولي، في انتهاك للحق لمجانية التعليم كمبدأ دستوري. بالإضافة إلى دخول أطراف أخرى في عملية التفاوض كوزارة التشغيل والمالية مما سبب في تكهنات كثيرة عن سيناريوهات محتملة …؟؟؟

هل يحسم الشارع الصراع بدل المؤسسات التمثيلية التي رافقها اللغط بسبب غموض الموقف والتردد في اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب، الشيء الذي جعل مصداقيتها على المحك. هي إفرازات طبيعية، لأن في الممارسة تُنتج المواقف الحقيقية.

هل تغيب القنوات المؤسساتية في تدبير الحوار ويبقى الشارع هو المدخل للحسم؟ هل ستقبل الوزارة بفعل ضغط الشارع على قبول التفاوض والحوار مع الحركة الأكثر تمثيلة في الواقع؟ ه

هي مظاهر صراع بين جيلين قد نستجلي نتائجها في دوران الزمن الآتي…؟؟؟

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى