سمير أمين الثوري الذي راهن علي دول التخلف لتحقيق الاشتراكية
لوسات أنفو : أيوب داهي
فقد الفكر الماركسي و معه الفكر الانساني قبل خمس سنوات واحدا من أبرز رموزه, و ألمع المفكرين الذين قدموا اسهامات جليلة أغنت و طورت الاطروحات الاشتراكية الثورية و قدمت أدوات جديدة ساعدت على النقد العلمي و الجدلي الهادف و الطامح الى تجاوز النظام الرأسمالي. يتعلق الامر بالمفكر و المؤرخ و المبدع في علم الاقتصاد السياسي, المصري سمير أمين .
رأى سمير أمين النور في أرض الكنانة, بالضبط بالعاصمة القاهرة شهر شتنبر سنة 1931 من طبيب مصري و طبيبة فرنسية, نشأ و ترعرع في مدينة بور سعيد حيث حصل على شهادة الثانوية العامة من احدى المدارس الفرنسية, و بعدها غادر مصر نحو فرنسا, حيث أتم دراسته العليا و توج مساره الاكاديمي بالحصول على شهادة الدكتوراه في تخصص الاقتصاد من جامعة السوربون.
الى جانب حقل نقد الاقتصاد السياسي الذي برع فيه ابن النيل, فقد انتمى أمين الى تيار التحرر الوطني, الى جانب ثلة من المفكرين من أمثال المهدي عامل و الياس مرقص و ياسين الحافظ كما كان أحد ابرز رواد مدرسة التبعية و أبدع اجابات جديدة فككت بنيات النظام الرأسمالي في انتقاله من مرحلة التنافس الى مرحلة الاحتكار.
قاد سمير أمين فتحا جديدا داخل علم الاقتصاد السياسي الماركسي من خلاله كتابه ” التراكم على الصعيد العالمي” و فيه حلل بشكل دقيق العلاقات المالية و التجارية المتشابكة على المستوى العالمي. سمير أمين الذي ينطلق من قناعة مؤداها ان الرأسمالية هي تشكيلة اجتماعية عالمية واحدة تنقسم الى معسكرين, الاول هو معسكر المراكز و معسكر ثان أسماه معسكر الاطراف و هذا التمايز في نظره هو ضامن استمرارية نمط الانتاج الرأسمالي. و بالتالي فانه يؤطر لفكرة جديدة لم يسبقه لها أحد و هي أن الرأسمالية كنظام انتاج تتواجد في نقس اللحظة التاريخية مع نظام انتاج ما قبل رأسمالي, و هو بالتالي يختلف و ينقد جذريا التصور المادي للتاريخ الذي نظر له كارل ماركس و الذي يستند الى فكرة تعاقب و توالي انماط الانتاج.
بناء على هذا التحليل يحاول ان يفسر أمين مسألة التخلف, حيث يؤكد أنه في كل مرة يدخل نمط الانتاج الرأسمالي في علاقة مع أنماط انتاج ما قبل رأسمالية التي يخضعها لسيطرته, تظهر تحويلات في قيم الانماط الاخيرة نحو النمط الاول و هو ما يشكل جزءا من التراكم الاولي, و هذه الصيغ من التراكم البدائي و التي تجري لصالح دول المراكز هي التي تشكل حقل نظرية التراكم على الصعيد العالمي. اذا فإسهام أمين الرئيسي بكل بساطة هو استنتاجه ان العالم في نفس اللحظة ينقسم الى دول تنتمي الى الحقبة الرأسمالية و دول تنتمي الى حقبة ما قبل الرأسمالية و يفسر سمير هذا الوضع بنظرية التقسيم الدولي للعمل اي ان هناك تفاوت شديد في توزيع قطاعات الانتاجية بين قطبي العالم بمعنى ان دول المراكز تتخصص في القطاعات العالية المردودية بينما تحتكر دول الاطراف القطاعات الانتاجية المنخفضة القيمة و التي غالبا ما تكون على شكل مواد خام جاهزة للتصدير المباشر.
في مراكز العالم تعمل القوى الاقتصادية على نشر مكاسب التقدم في مجمل الجسم الاقتصادي و ذلك عن طريق تعديل الاسعار و الاتجاه نحو معادلة أجور قطاع بأجور قطاع آخر و معادلة معدلات الربح, فينجم عن هذا, أن التفاوت في توزيع دخل الفرد يظل بصورة دائمة تفاوتا معتدلا. على عكس الدول المتخلفة فان التوزيع القطاعي للسكان العاملين و توزيع الناتج عوض ان يكونا متوازيين بشكل ملحوظ نجدهما متباعدين للغاية. ان غياب التواصل بين قطاعات هذا الاقتصاد هي منشأ ضعف هذا الاقتصاد. فاقتصاد المراكز يشكل كلا متماسكا مؤلفا من قطاعات تقيم فيما بينها تبادلات هامة تسمى علاقات صناعية و قطاعات متبادلة يشد بعضها أزر بعض, على عكس الاقتصاد المتخلف الذي المكون من قطاعات متراصفة لا تقيم بينها الا تبادلات هامشية, كما يتم الجزء الاكبر و الجوهري من تبادلاتها مع الخارج. يقول أمين ان الجوهري في مبادلات الدول المتخلفة يتم مع الدول النامية, فيما الجوهري في مبادلات الدول النامية يتم فيما بينها.
مما يعمق واقع التخلف الاقتصادي داخل بلدان الاطراف هو ان بعضا من القطاعات الانتاجية تتكون من منشآت كبيرة أجنبية او تكون فروعا من وحدات دولية ضخمة تقع مراكزها المحركة خارج الاقتصاد المتخلف, اما الثروات المنجمية التي تستخرجها هذه الوحدات الضخمة فليست معدة لكي تغذي صناعات محلية صاعدة, بل انها تصدر لتستخدم في تغذية مجموعات صناعية معقدة في العالم النامي.
و يخلص أمين ان العلاقات الاقتصادية بين المراكز و الاطراف في المنظومة الرأسمالية هي علاقات هيمنة غير متكافئة تعبر عن نفسها بتحويل القيمة من الاطراف الى المراكز. و ان الصراع الطبقي يتم ضمن اطار المنظومة العالمية و عليه فان التناقض ليس قائما بين البورجوازية و البروليتاريا في كل بلد على حدى بل بين البورجوازية العالمية و البروليتاريا العالمية. اذا فالتناقض الرئيسي حسب أمين هو التناقض بين دول المراكز و دول الاطراف. و بما أن دول الاطراف تابعة و متخلفة و قواها الانتاجية ملجومة و مقيدة فان أمين يستنتج ان الثورة الاشتراكية تبدأ في هذه الاطراف و أن بناء نمط الانتاج الاشتراكي يبدأ في الاطراف ثم ينتقل تناحريا الى المراكز.
ينهي سمير أمين تحليله بالقول ان كل نظام انتاج عالمي يتكون من مراكز متطورة و أطراف متخلفة و أن الانتقال من نظام انتاج الى اخر يبدأ دوما من الاطراف, لان التطور المكبل في الاطراف يتيح المجال لنشوء نمط الانتاج الجديد فيه, و يتعزز النمط الجديد فيه ثم يبدأ في الزحف تدريجيا الى المراكز.