ثقافة

سلامة كيلة و ضرورة العودة لماركس

يعالج المفكر الماركسي الفلسطيني  سلامة كيلة في كتابه “الماركسية الجديدة.. العودة إلى ماركس من أجل تخطي الماركسيات الرائجة” الصادر  عن دار آفاق بالقاهرة،  اشكالية ما أسماه الماركسيات و التيارات الفكرية المنتسبة للمشروع الماركسي  الرائجة و ذلك من أجل العودة إلى ماركس، ماركس الدياليكتيكي  تحديدا الذي يرفض أن يصاغ الواقع نظريا بشكل مسبق, و من أجل إعادة فهم  المنهج الفلسفي الذي وضعه  ، على الصعيد المنهجي أولا, ثم كمدخل عام لفهم العالم.  حيث كان اكتشاف الجدل المادي محفزا على تفسير العالم ولكن أيضا تغييره.
والكتاب يشكل تكملة لكتابين صدرا سابقا الأول “من أجل شيوعية مناضلة”، والثاني هو “الماركسية اليوم”.
رأى كيلة أن المجموعات الماركسية تنتعش اليوم وتتكاثر بشكل لافت، وتنشيء صفحات على النت، أو تصدر على شكل صحف، تدافع عن هذا التيار أو ذلك، وحتى التيار الواحد نجد أن مجموعات متعددة تدعي الانتماء له، وتخوض صراعا ضد الآخرين، وبهذا ظهرت عشرات المجموعات المتصارعة فيما بينها، وكل يريد تأكيد الأحقية في مواجهة الآخرين، سواء في التيار ذاته أو في مواجهة التيارات الأخرى. وقال “ما تنطلق منه كل مجموعة هو تأكيد أحقية تيار ماركسي تبلور خلال القرن العشرين، فيي إطار الصراعات التي عاشتها الماركسية”. و الحال أن الماركسية لم تكن يوما لا عقيدة و لا قوانين و لا قواعد عامة و لا نصوص تحكم فهم الواقع أو يجب فهم الواقع عبرها.
نشهد إذن يقول المفكر الفلسطيني  نهضة فكرية وسياسية وحركة إحياء بالغة السعة، يقبع خلفها حماس لتأكيد أحقية هذا الفكر الماركسي أو ذاك، فقط بعد الانقسامات التي تلت سيطرة البلاشفة على السلطة وموت لينين ومن ثم سيطرة ستالين وظهور الانقسام الستاليني التروتسكاوي وصولا إلى التجربة الصينية وتشكل الماوية ومرورا بجيفارا الذي بدا كقديس يدعو إلى التحرر والتمرد. وهي حركة إحياء تعيد تلك الانقسامات بلهجة أشد، وتدفع إلى تقسيم التيارات ذاتها”.
وأشار كيلة إلى أن التيارات التي نشأت من الماركسية “الماركسيات” قطعت مع منهجيتها وباتت تفرض على الواقع مساراته.  و يضيف كيلة ” بات على الواقع ان يتمثل الفكرة لأن هي التي تصيغه” و هنا عدنا الى ان الفكرة هي الاساس و ليس الواقع و هو المنظور المثالي الذي رفضته الماركسية من جذره.
يقول كيلة أن هذه الخلاصة تنفي المنهج الدياليكتيكي حيث  باتت هناك منظورات أخرى تحكم الواقع. حيث انتقلنا الى  منطق القياس الذي هو جزء من المنطق الصوري. وبالتالي إذا كان الفهم يحتكم للمنطق الصوري، فقد بات الواقع يحتكم إليه كذلك. بحيث يجب أن يسير وفق منظومة متبلورة مسبقا، وهنا يوضع تفسير العالم وتغييره في قالب مثالي. هنا انتفت الماركسية، لقد باتت االأفكار التي تبلورت مع ماركس تحتكم لمنطق قديم سابق لهيغل وليس لماركس فقط، هو المنطق الصوري، ولقد أخذت أفكارا لكي تؤسس عقيدة باتت هي القياس، هي المنهج، هي صورة الواقع الذي يجب أن يسير الواقع وفقها، هي الواقع كما يجب أن يكون، بغض النظر عن ممكناته التي لا تتحدد إلا انطلاقا من الجدل المادي، المنهجية التي تلاشت هنا، وبالتالي بات على الواقع أن يحتكم للنظرية. وبالتالي من منظور الجدل المادي، من منظور الماركسية كل النظريات والمنظورات خاطئة، بالضبط لأنها لم تنطلق من تحليل الواقع وتنظيره وتحديد ممكناته تطوره.
وأضاف ان شكل الأفكار، إن الكلمات المأخوذة من الماركسية، إن القوانين لا تحدد صحتها واقعيا، فهيي كلمات وأفكار وقوانين يمكن أن تكون صحيحة في لحظة وخاطئة في أخرى، ضرورية في لحظة ونافلة في أخرى، إن صحتها ناتجة عن كونها التعبير عن واقع. الواقع هنا أولا وليس الأفكار، الواقع الذي يحلل انطلاقا من الجدل المادي هو الذي ينتج الأفكار الصحيحة والصيرورات الممكنة وبالتالي يحدد السياسات والتكتيكات. إذن يمكن القول بأن ما تحقق هو نفي جوهر الماركسية لمصلحة شكلها، حيث تبلورت النظرية التي يجب أن تحكم الواقع، هذه النقلة هي عودة إلى الوراء إلى ما قبل ماركس وهيغل وبالتالي مهما تحلت بالألفاظ الماركسية، الإصلاحية أو الجذرية، هي أفكار مسبقة لا يحتملها الواقع. هي بالتالي خاطئة لأنها مقتحمة على الواقع.
ونبه كيلة إلى أنه لفهم الدولة والسلطة والعلاقات الدولية وكذلك الصراعات الدولية يجب فهم الواقع الاقتصادي والبنية المجتمعية التي تتشكل على أساسه. دون ذلك يكون التحليل مقلوبا وبالتالي مثاليا. فليس شكل الدولة وطبيعة السلطة هو ما يحدد طبيعة الصراع الطبقي والواقع الاقتصادي، على العكس فإن هذه هي التي تحدد طبيعة السلطة وشكل الدولة. كذلك ليس الصراعات بين الدول الكبرى هي التي تحدد طابع الصراعات المحلية، أو أن هذه الصراعات هي نتاج ذاك الصراع الدولي، على العكس فإن فهم الصراعات المحلية يتطلب فهم الاقتصاد والبنى المجتمعية، ومعرفة صراع الطبقات القائمة، فالذي يحدد سمة السلطة وطابعها الطبقي هو الواقع الاقتصادي المحلي والبنية الطبقية وليس علاقاتها التي تكون في الغالب نتيجة تكوينها الطبقي المحلي. حتى الصراعات الدولية لابد من فهم البنى الاقتصادية وصراع المصالح الاقتصادية التي تكون الصراعات السياسية هي نتيجة لها وليس العكس.
ورأى أنه إذا كانت الماركسية قد فهمت كنزعة اقتصادية فقد انتشرت كرؤية سياسية وتصورات حول الصراعات السياسية، وانزوى الاقتصاد جانبا لكي يؤسس لفهم إصلاحي مطلبي أو لكي يهمل تماما، في سياق انتشار الماركسية الرائجة التي كانت سياسية في منظورها. لقد تمحورت حول السياسي: الدولة والعلاقات الدولية، وأسست سياساتها وتكتيكاتها وأهدافها على هذا الأساس فقط. وفي هذا المنظور بات الوطني. هو محور الرؤية وبالتالي المواقف، بعيدا عن الطبقي وفي تضاد معه، حيث يتأسس الوطني على الطبقي، ولا يمكن أن يكون منفصلا عنه. وهي بذلك لم تكن قد أمسكت بالإضافة الأهم التي أتى بها ماركس والتي كانت أساس نشوء الماركسية.
وخلص كيلة إلى أن العودة إلى ماركس هي ما نحتاجه الآن “هذه العودة التي تعني امتلاك الجدل المادي بالتحديد، أي تحويل آليات العقل لكي يفكر انطلاقا من هذه المنهجيية. وتبقى كل القضايا الأخرى مفتوحة للنقاش والنقد والنفي كذلك. وكلها باتت جزءا من التاريخ أي من تراث الماركسية التي قد يفيد بعضه. وقد لا يفيد في أكثر من ذلك. هذا ما أضافه ماركس وأسسه لكي يصبح المشروع الاشتراكي ممكنا، لأنه أسس فهم حركية (صيرورة) الواقع، وأساس تحديد موقع العنصر الذاتي أي الطبقة فيه. ومن ثم الدور الفعلي للماركسيين في كل هذا الواقع.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى