عبد الرزاق بنشريج
تنفيذا للمشروع الخاص بتحسين وتطوير نظام التقويم والدعم المدرسي والامتحانات، شارك المغرب في الدراسة الدولية للتوجهات في تدريس الرياضيات والعلوم TIMSS 2023، المصنفة من أهم الدراسات التقويمية الدولية،
والتي تشرف عليها الجمعية الدولية لتقييم الأداء التربوي (IEA)، وقد بلغ عدد الدول المشاركة في هذه الدورة 67 دولة؛والمغرب من بين الدول العربية التي بادرت إلى المشاركة بانتظام في هذه الدراسة منذ سنة 1999، التيتجرى كل أربع سنوات،وبذلك تكون دورة 2023 سابع دورة يشارك فيها المغرب.
أهداف الدراسة
تهم هذه الدراسة عينات من تلاميذ الدول المشاركة، وبالنسبة للمغرب همت عينة وطنية بتمثيلية جهوية لتلاميذ وتلميذات مستويي السنة الرابعة ابتدائي والسنة الثانية اعدادي، وحسب مراسلة وزارة التربية الوطنية رقم 09/22 الصادرة بتاريخ 27 يناير 2022 الموجهة لمديري الأكاديميات والمديرين الإقليميين فالمغرب يسعى من خلال مشاركته في هذه الدراسة إلى {إعمال آليات التقويم للاستجابة إلى مطلب تحسين أداء النظام التربوي في مجال التعلمات الأساسية، والذي تؤكد عليه مختلف مشاريع الإصلاح التربوي بالمملكة، وكذا تمكين النظام التربوي الوطني من آليات لمواكبة التطورات الحاصلة على المستوى الدولي في مجال تعليم وتعلم الرياضيات والعلوم باعتبار ذلك مؤشرا على مدى الجاهزية لولوج مجتمع المعرفة.} بالإضافة إلى عدد من الأهداف، ويمكن التركيز فقط على هدفين أساسيين:
ـ قياس ومقارنة أداء الأنظمة التربوية للدول المشاركة في مجالي الرياضيات والعلوم للوقوف على محددات هذا الأداء؛
ـ توفير موجهات علمية دقيقة لوضع السياسات التربوية الرامية إلى تحسين تعليم وتعلم الرياضيات والعلوم، ورصد أثر التدابير التصحيحية المتخذة في هذا الصدد.
الاستعداد للدراسة
لتحقيق أهداف هذ الدراسة الدولية وفي إطار الاستعداد التام لها عملت وزارة التربية الوطنية على إجراء دراسة تجريبية بالنسبة للسنة الثانية إعدادي ما بين 1 و15 أبريل 2022. على عينة وطنية بحجم 1100 تلميذا وتلميذة ينتمون إلى حوالي 40 مؤسسة موزعة على عدد من جهات المملكة، وجندت لهذ العملية:
- فرق جهوية لقيادة الدراسة على صعيد كل اكاديمية جهوية للتربية والتكوين؛
- فريق إقليمي للتمرير على صعيد كل مديرية إقليمية معنية؛
- فريق محلي على صعيد كل مؤسسة من مؤسسات العينة الوطنية تولى تدريب تلاميذ العينة على استعمال الحاسوب لاجتياز الاختبارات وتعبئة الاستمارات.
وخصصت مبالغ مالية لترتيب الفرق المكلفة وتجهيز المؤسسات المعنية بالحواسيب وفي هذا الإطار عملت الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين والمديريات الإقليمية التابعة لها على توفير حاسوب محمول وتميمة إلكترونية ” USB ” لكل مشارك في الدورة التكوينية، و4 حواسيب على الأقل لكل مؤسسة من مؤسسات العينة لاستعمالها في تدريب التلاميذ، وانتهت تلك التداريب بتنظيم اختبارات تطبيقية للتأكد من أن تلاميذ العينة يتحكمون بدرجة كافية في مهارات استعمال الحاسوب.
نتائج الدراسة
رغم مشاركة المغرب بانتظام في هذه الدراسة منذ سنة 1999، أي أن دورة 2023 هي الدورة السابعة من بين مشاركاته، ورغم تلك الإعدادات والاستعدادات، ورغم المبالغ الهام التي صرفت عليها، إلا أن التلاميذ المغاربة لم يتمكنوا من تحقيق النتائج المأمولة، بل حصدت المنظومة التربوية المغربية نتائج جد مخجلة، وخاصة على مستوى السنة الثانية إعدادي، فلا أثر للكفايات المتقدمة ولا عليا في المواد العلمية والرياضيات، وحتى الكفايات الدنيا التي تعني أدنى أو أبسط ما يمكن أن يتملكه التلميذ تراجع بشكل خطير جدا حيث تقلص في العلوم من 48% إلى 18% وفي الرياضيات تقلص من 41% إلى 36% ، وهنا يطرح السؤال ما هي الأسباب التي أدت إلى حدوث هذه الكارثة التعليمية التعلمية؟
ولمعرفة رأي الخبراء والمهتمين التربويين حول أسباب هذه النتائج يقول الباحث التربوي الدكتور يوسف بوهالي وهو مفتش التعليم الثانوي، أن نتائج التقييم تكشف وضعية تحصيل التلاميذ المغاربة في الرياضيات والعلوم من خلال تذيل الترتيب العالمي، بالرغم من التحسن الطفيف الذي تعكسه أرقام الآداء العام لتلاميذ السلك الابتدائي، وتتضح أزمة النتائج بشكل صريح في السلك الإعدادي حيث انخفض المعدل الوطني العام في العلوم والرياضيات وتكرس ضعف اكتساب الكفايات فيهما. وعليه يمكن اعتبار هذه النتائج إعلانا صريحا لفشل المنظومة التربوية في المغرب ودعوة لإجراء إصلاحات جذرية، وأجمل الدكتور يوسف بوهالي أسباب فشل المنظومة التربوية المغربية في: {-غياب إرادة حقيقية للإصلاح والافتقار إلى مشروع وطني جاد في مجال التربية والتعليم بمعالم واضحة،
وتراكم الإخفاقات وعدم ربط المسؤولية بالمحاسبة، وضعف التكوين الأساس والمستمر، ورهن الإصلاح الداخلي بتصور ورؤية مؤسسات خارجية (صندوق النقد…)، وسيادة المقاربات التقليدية في التدريس وابتعاد مشاريع الإصلاح في مسارها التاريخي عن المؤسسات وواقع الفصول الدراسية}.
ويقول الدكتور ربيع الكرعي أستاذ التعليم الثانوي كاتب ومؤلف جوابا عن نفس السؤال، بأن النتائج تشير إلى تحسن طفيف في اكتساب الكفاءات العلمية والرياضية، لكن لا تزال نسبة المتفوقين ضعيفة مقارنة بالنسب العالمية، مع بقاء تحديات كبيرة في المستويات الدنيا، مما يُظهر تطورًا متفاوتًا في أداء التلاميذ في العلوم والرياضيات عبر السنوات، مع بعض التراجع في بعض الفترات، وهو مؤشر على تحديات مستمرة في جودة التعليم، وأرجع الدكتور الكرعي أسبابهذا التراجع إلى: {نقص الكفاءات التدريسية، وغياب الدعم الفردي للمتمدرسين، وضعف المناهج الدراسية، وغياب بيئة تعليمية تحفز على الإبداع والتميز، وضعف البنية التحتية التعليمية، ونقص التكوين المستمر للأساتذة، وغياب الموارد المناسبة لدعم العملية التعليمية}.
وفي نفس السياق يرى المفتش المتقاعد مؤلف للمراجع التربوية وكتب التلميذ، وعضو بمكتب للدراسات التربوية الأستاذ عبد الكريم زهير أن نتائج المغرب في هذا الدراسة دون المستوى، لأن النقط الأقل من 400 نقطة تحتسب في خانة النتائج المتدنية، لأن العتبة هي 500 نقطة؛ فمنذ مشاركة المغرب في هذه الاختبارات وخزينة الدولة تُستنْزف، وتصرف مبالغ مهمة للمشاركة دون تحقيق أي فائدة تربوية، وأرجع نفس المتحدث أسباب هذا الانحطاط الى أسباب كثيرة ذكر منها:{غياب التكوين الاساس والمستمر للأساتذة، وعدم ربط الترقية بالمردودية، والمناهج المكتظة في غياب منظور تربوي واضح، وغياب الانسجام بين الكفايات والدروس والأنشطة}.
وصرح الدكتور عبد الإله الكريبص مفتش التعليم الثانوي للجريدة حول أسباب هذا التراجع الكبير، بصرف النظر عن الحيثيات المحيطة بعملية التقييم والعوامل المؤثرة فيها، خاصة العوامل الاجتماعية والثقافية، يمكن القول إن هذه النتائج التي حصل عليها المغرب في هذا التقييم الدولي (تيمس)، تدل دلالة واضحة على أن الإصلاح المأمول لم يصل بعد إلى التلميذ، وأنه ورش ما زال يتطلب الكثير من التبصر والعمق، ولا يمكن الحسم في الأسباب المؤدية إلى هذه النتيجة غير المرضية. واستدرك الدكتور الكريبص قائلا {مع ذلك يمكننا القول بكل اطمئنان إن هناك أسبابا مباشرة وأخرى غير مباشرة قد تفسر لنا الكثير مما يجب فهمه، الأولى ترتبط بالتصور الرسمي للإصلاح والثانية تتعلق بتراجع أدوار مؤسسات التنشئة وفي مقدمتها الأسرة ومؤسسات المجتمع المدني والهيئات المنتخبة}.
الحلول المكنة
أما عن الحلول الممكنة حسب نفس المستجوبين فجاءت على الشكل الآتي:
يقترح الدكتور البوهالي ضرورة إعادة النظر في البرامج التعليمية وتجويد طرائق التعليم والمقاربات البيداغوجية المعتمدة، وتأهيل الأساتذة والرفع من جودة التكوين الأساس والرهان على التكوين المستمر، ووضع استراتيجيات مبتكرة لتحسين مستوى التحصيل الدراسي، وتأهيل المؤسسات لمواكبة التغيير.
أما الدكتور الكرعي فيقترح من بين الحلول الممكن تحسين جودة المناهج، وتدريب الاساتذة بشكل دوري وتكتيف التكوين المستمر، وتوفير برامج دعم إضافية للتلاميذ ذوي الأداء الضعيف، والاستثمار في وسائل تعليمية مبتكرة لتحفيز الكفاءات، وتطوير مناهج التعليم، والتكوين المستمر للأساتذة بشكل دوري ومنتظم، وتوفير موارد إضافية للتلاميذ المتعثرين، وتحفيز الابتكار في طرق التدريس لتحسين النتائج المستقبلية.
ويرى الأستاذ زهير أنه يمكن تلخيص الحلول فيما يلي:
تكوين اساس معمق في المادة، وربط الترقية او اي امتحان بالمردودية، وإعادة النظر في المنهاج ككل، وإعادة النظر في الكتب المدرسية المملوءة بالحشو، وتكييفها لتساير الاختبارات الدولية.
أما الدكتور الكريبص، فيصرح أنه لا يمكن تجاوز هذه الوضعية إلا باعتماد رؤية إصلاحية واضحة المعالم، تشمل الجوانب البيداغوجية والتدبيرية على حد سواء، وتستحضر الأدوار الجوهرية التي يجب أن يضطلع بها الشركاء، لكي لا تؤدي المدرسة لوحدها فاتورة العجز الاجتماعي الذي ينعكس سلبا على أدائها. ولا يمكن لذلك أن يتحقق إلا بوجود إرادة جماعية صادقة.
و ماذا بعد؟
توافقت أجوبة المستجوبين حول تذيل المغرب للترتيب العالمي فيما يخص نتائج تقييم تحصيل التلاميذ المغاربة في الرياضيات والعلوم ، رغم التحسن الطفيف الذي تعكسه أرقام الأداء العام لتلاميذ السلك الابتدائي،وأن الوزارة الوصية لم قم بإعمال آليات التقويم للاستجابة إلى مطلب تحسين أداء النظام التربوي في مجال التعلمات الأساسية، كما صرحت بذلك في وثائقها الرسمية، ولم تستغل نتائج التقويمات الستة السابقة في تمكين النظام التربوي الوطني من آليات مواكبة التطورات الحاصلة على المستوى الدولي في مجال تعليم وتعلم الرياضيات والعلوم وبالتالي تأكد عدم جاهزية المنظومة التربوية لولوج مجتمع المعرفة، لأن قياس ومقارنة أداء الأنظمة التربوية للدول المشاركة في مجالي الرياضيات والعلوم سجل المغرب في ذيل اللائحة، لأنه لم يستفد من الموجهات العلمية الدقيقة لوضع السياسات التربوية المغربية، ولم يقم برصد أثر التدابير التصحيحية المتخذة في هذا الصدد منذ 1999 فأضاع مجهود 24 سنة.