روبورتاج

رياض دينيز ماسون بمراكش… عندما يمتزج الجمال بالثقافة

لو سات أنفو محسن برهمي:

داخل رياضها ينتحر الحزن، وتفوح رائحة الثقافة والتعايش في أرجاء المكان، في قلب مدينة مراكش تحديدا

“بدرب زمران”، اختارت دينيز ماسون الاستقرار برياض يحمل اسمها إلى يومنا هذا. فبين جدران ووسط دروب ملتوية مليئة بعبق التاريخ والحكمة، استمتعنا وبالكاد احسسنا بالطريق إلى أن وصلنا وجهتنا.

كنز لا يباع: 

فور دخولك الى رياض دينيس ماسون، تستوقفك دراجة هوائية لا زالت تقاوم الزمن، عجلتين مهترئتين، مقعد يظهر نصفه الداخلي وهيكل في حالة جيدة، وورائها مباشرة تجد جدارية تعريفية لدينيز ماسون، الأمر الذي يساعدك مباشرة على معرفة صاحب الدراجة. نعم انها دراجة دينيز ماسون التي كانت تجول وتصول بها أزقة المدينة الحمراء، لنشر التعايش بين الأديان ومساعدة كل محتاج، بعد تنصيبها مديرة لمستوصف المدينة التي اتخذتها موطنا لها. تابعنا المسير إلى الداخل لنجد عالم ساحر لا تصدقه أعيننا، ساحة خضراء تتوسطها نافورة مياه، وأشجار الليمون على جنبات طريق اسمنتي، وجدران باللون الأصفر كأنه يعلن تمرده على اللون الأحمر المعروف للمدينة وانفراده على الفضاءات الاخرى.

وهدوء شديد تكسره زقزقة العصافير، دخلنا الرياض وعلى يمين المطبخ صعدنا متجهين للمكتبة، على جنبات الدرج اخذتنا صور للأشخاص بزيهم التقليدي المحتشم، ولأسواق شعبية نظن أنها لمراكش قديما، كثيرة تلك الصور التي اخذتنا معها لعالم مغاير وساحر، انها مكتبة السيدة دينيز حقا وجدنا صورة لها في ريعان شبابها معلقة على الحائط الى جانب لوحات زيتية للمنارة والمدينة القديمة لمراكش، وعلى الحائط المقابل شهادة الاستحقاق الوطني مقدمة من الدولة الفرنسية , على طاولة كبيرة غير بعيدة على نوافذ مطلة على ساحة الرياض، نجد كتبا قديمة ومبعثرة يبدو انها للفتاة التي  تعلمت الدارجة المغربية واللغة العربية وعملت بعد ذلك على واحدة من انجح الترجمات للقرآن. ما ميز المكتبة وجعلها تأخذ أكبر وقت ممكن منا، هي تلك الموائد التي تتوسطها النجمة الخماسية المصنوعة من النحاس، الأثاث المغربي، وذلك السقف الخشبي البسيط. رجعنا أدراجنا إلى الساحة، لنلتقي صدفة السيدة صوفيا التباع العفوية والابتسامة لا تفارق وجهها، طلبنا منها التحدث على الرياض بكونها المشرفة عليه، فدعتنا لمرافقتها إلى بهو الاورغ، لتقوم بمفتاح كان على رف فتح الخزانة وإخراج نسخة من كتاب “دار دينيز ماسون ” لكاتبيه ” حميد طريقي ” و ” ريتشارد ادوارد” وتقول بابتسامتها المعهودة ” هذا الكتاب، لايقدم لأي كان  ” بهذه العبارة تركتنا السيدة صوفيا وحدنا داخل البهو، الذي لاحظنا وجود آلة بيانو في زاوية، لم نعرف قصته إلا بعد قراءة الكتاب؛ حيث اشترتهم دينيس ماسون، لتعزف مقطوعات سيباستيان باخ مثلا لزوارها الناذرين.

الوريث غير الشرعي: 

تساءلنا أثناء جلوسنا، في ساحة الرياض عن وريث الرياض بعد وفاة دينيز ماسون، وفور انتهاء السيدة صوفيا التحدث مع مجموعة من الأجانب كانوا يشاركوننا الفضاء، أسرعنا لسؤالها فأجبتنا وقالت ” لقد أهدته للمؤسسة الفرنسية، والمؤسسة الفرنسية بدورها قامت بتكليف المعهد الفرنسي للسهر على تسييره، هذه المؤسسة تقوم بمساعدتنا بتمويل، لكن ليس بالكبير. دينير قبل وفاتها تركت وصية، لجعل الرياض مكانا للتعايش بين الأديان، خدمة الفن والفنانين، هذا وفي اجتماع سنوي مع المؤسسة الفرنسية تقوم بمراقبتنا، حول مدى احترامنا هذه الشروط”. تركتنا في حيرتنا كم من شخص يمكنه فعل نفس الأمر، في زمن يسيطر عليه الجانب المادي؟

لازال الرياض محافظا على رونقه، جماله، وتفاصيله المعمارية المغربية بنقشه وزخرفته، حيث وجدنا أعمال صيانة، وترميم، يقوم بها عمال مغاربة؛ فأهل مكة أدرى بشعابها، ما يدل على الاهتمام الكبير الذي يمنيه هؤلاء المشرفين على هذا الفضاء. كل يقوم بوظيفته والهدف إسعاد ونيل رضا شخص ليس بينهم. هذا ما جعلنا نتساءل مرة أخرى لو كان الوريث الشرعي هل كان سيحتفظ بالمكان كما هو؟ ام سيضفي عليه لمسة غربية وتحويله إلى مكان خاص، والدخول إليه بالمقابل ؟.

ملاذ للمثقفين: 

 “أنا اشتغل هنا، أنا المكلفة بتنظيف المكان والمكلفة بالمطبخ كذلك،” بصوت خافت وتعابير تدل على الحشمة اجابتنا حبيبة وهي التي تقاسم ثورية أشغال الرياض، ونحن نتكلم مع حبيبة ، أبصرنا ثلاثة أشخاص يتقاسمون معنا الفضاء، إضافة إلى مجموعة من الأجانب في مائدة يتناولون الكسكس ،فعدنا لنسائل حبيبة من هم لتجيب ” هؤلاء فنانة ، نقوم بخدمتهم، والآخرون هم مجموعة من السياح ، يتصلون بنا قبل مجيئهم، نقوم بإعداد الطعام لهم حسب طلبهم”. ووسط حديثنا مع حبيبة خرج الثلاثة من الرياض، ولم تسنح لنا الفرصة للتحدث معهم، إذا ما كان المكان مصدر إلهام؟ بكل تأكيد الجواب هو نعم، فالفضاء يعمه سكون رهيب والخدمات المقدمة لا يسع للكاتب إلا أن يطلق عنان قلمه ويخرج ما بداخله، والرسام ليخرج ريشته ويبدع بألوانه. ينظم رياض دينيز ماسون كل 13 فبراير ذكرى وفاة دينيز ماسون فعاليات، وأمسيات ثقافية ودينية بهدف التعايش بين الديانات الثلاث. أكملنا اكتشاف المكان. ووجدنا غرفة تسمى غرفة الموقد، اسم على مسمى ففي كل جانب نجد موقدين تقليديين يزينان الغرفة. وعلى الجدران صور فوتوغرافية تدفئ المكان.

ماتت دينيز ماسون، لكن روحها لازالت تزين المكان، ماتت “سيدة مراكش” كما يحلو للبعض تسميتها لكنها لازالت في قلوبنا حية، ذهبت ولن تعود لكن تركت ورائها ما يذكرنا بها الى الابد .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى