رسالة البرتغال: لشبونة مدينة الفرح و الانتشاء
ما إن تجلس في مقهى، في مطعم أو في حانة حتى تجدها ممتلئة بأجانب من بلدان عديدة
عبد الرحمن بلحداد (كاتب مغربي مقيم في لشبونة)
يعتبر البرتغال وجهة لمهاجرين ولسياح من عدة بلدان بكل القارات، وذلك بالنظر لعوامل منها مناظره الطبيعية الخلابة، اعتدال طقسه وكون أشعة الشمس لا تغيب عن سمائه، شواطئه الكثيرة والجميلة، كونه سادس بلد في العالم من حيث الأمان، علما أنه وقبل مدة قصيرة، كان البرتغال يحتل المرتبة الثالثة في ترتيب السلم العالمي من حيث الأمان، يُضاف إلى هذا توفره على نظام صحي ونظام تربوي جيدين.
وإذا كان الإنسان البرتغالي مهاجر بطبعه، تاركا بلده ليعيش بأعداد كبيرة في بلدان مثل اللوكسمبورغ، فرنسا، بلجيكا، إسبانيا، سويسرا وغيرها… فإن الهجرة المعاكسة، أي التي تختار البرتغال مقصدا من أجل العيش فيه هي في ارتفاع مستمر، يتقدمعا على صعيد القارة الأوربية مهاجرون قادمون من رومانيا، يليهم آخرون من أكرانيا وبعدهم مهاجرون من المملكة المتحدة، فـ الصين فـفرنسا ثم من إيطاليا. لكن العدد الكبير من المهاجرين الذين يختارون البرتغال مقصدا لهم هم من البرازيل، من ساحل العاج ومن باقي البلدان الناطقة بالبرتغالية، وذلك ضمن اتفاقية تسهيل تنقل مواطني هذه البلدان…. أما عدد أفراد الجالية المغربية في البرتغال فيتراوح بين 8000 و 10.000 فرد.
وإذا كانت ساكنة البرتغال تبلغ 12 مليون برتغالي، فإن ما يقرب من مليونين ونصف برتغالي وبرتغالية يعيشون خارج بلدهم، وذلك حسب تقرير للأمم المتحدة سنة 2017.
لكن عندما يتعلق الأمر بحضور الثقل الثقافي، بل وحتى اللغوي، فإن نسبة لاباس بها من البرتغاليين يشعرون بأن ثقافتهم مهددة لأسباب منها ميل الأطفال والمراهقين البرتغاليين إلى تفضيل التحدث بالبرتغالية في صيغتها البرازيلية على أن يتحدثوا لغتهم، أي ما يسمى ببرتغالية أوربا(رغم أن الفوارق جد قليلة في اللغة المكتوبة، لكن بها اختلافات من حيث النطق، ذلك أن برتغالية البرازيل تتميز بكونها متأثرة باللغة الإيطالية من حيث النطق مما يجعلها مُموسقة وبطيئة ولا تُدغم فيها الأصوات مثلما يحدث مع برتغالية البرتغال)، لكون المجتمع البرتغالي، عموما، يستهلك بكيفية كبيرة أشكال التعبير الفنية والثقافية البرازيلية، من مسلسلات وأغاني وكل ما يظهر في وسائل التواصل الإجتماعي. وهذا يدفع بقطاع كبيرمن البرتغاليين المحافظين محتاطين، بل رافضين لأنماط من السلوك الأجنبية، وخصوصا منها البرازيلية،والتي يرونها مُتمادية في التحرر…
ضمن حلقة التعارف التي تجمعني بأوربيين من بلدان أخرى، خاصة من فرنسا، من إيطاليا ومن إيرلاندا وسؤالي لهم عن سبب تفضيل العيش بالبرتغال، فإن عاملي الطقس والأمان هو ما يدفعهم للحصول على رواتب متدنية بالبرتغال عوض العمل في بلدانهم أو في بلدان أخرى أوربية والحصول فيها على رواتب مرتفعة، يُضاف إلى هذا تكلفة المعيشة في البرتغال، وخصوصا منها ما يتعلق بالمواد الغذائية، ذلك أنها أرخص في البرتغال منها في بلدان أوربية أخرى.
وأنت تتجول في الأحياء السياحسة وفي مركز مدينة لشبونة، يتأكذ لك هذا الحضور الأجنبي من بلدان عدة، كل يتحدث بلغته، مشاركين جميعا في احتفالات ومناسبات راقصة ومرحة بأحياء مثل كايس دو سودري، ﮔراسا، بايشو شيادو، ألاميدا ثم مدينة كاسكايس، غير البعيدة عن لشبونة والمنتمية للسياج الجغرافي لما يمكن أن نُطلق عليه بـ لشبونة الكبرى… وفي هذه الأمكن وفي غيرها مثلما هو الأمر مع شواطئ البرتغال، فإنه ما إن تجلس في مقهى، في مطعم أو في حانة حتى تجدها ممتلئة بأجانب من بلدان عديدة، مما يمنح لشبونة على وجه الخصوص نفحة خاصة تصيبك بعدوى الفرح والمرح خلال أيام كثيرة من الأسبوع. أما فيما يتعلق بالطبخ البرتغالي، فإنه يتميز بأطباق شهية يتقدمها سمك الباكالياو وطريقة جيدة لإعداده، يليه أطباق كثيرة شهية معمولة من الأخطبوط، خاصة أن الأجود والأكبر منه، كمادة، هوالمُستقدم من المياه المغربية، ثم أطباق كثيرة مُعدة من فواكه البحر و من لحم الخنزير.