حوار مع الباحث في السياسة التعليمية سعيد أخيطوش (2): هذه عوائق نجاج اعتماد المدرسين المزدوجين لتدريس الأمازيغية
مفهوم " المواد الأساسية" لا وجود له في الوثائق الرسمية
حاوره: عبد الرزاق بن شريج
الجزء الثاني
مَرَّ أزيد من 24 سنة على خطاب أجدير يوم 17 أكتوبر 2001 م وعلى صدور الظهير الملكي 1.01.299 المحدث للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية وتحديد أدواره خصوصا في جانب تهيئ اللغة والمساهمة في إنتاج الوثائق اللازمة لتدريسها، ولم يتحقق – حسب تصريح وزير التربية الوطنية يوم الإثنين 13 يناير 2025 – فيما يخص تغطية المدارس الابتدائية بتدريس الأمازيغية فلم تحقق سوى بنسبة تقارب 40%، مما يدل على أن هناك عراقيل ساهمت في تأخير تعميمها.
الأستاذ سعيد أخيطوش المفتش التربوي، والباحث في ديداتيك اللغة الامازيغية، والمشارك في التأليف المدرسي الامازيغي، والقيادي الوطني في نقابة مفتشي التعليم يوضح للقراء أهم المراحل والأشواط التي قطعها تدريس اللغة الأمازيغية بالمدرسة الابتدائية المغربية، والعراقيل المساهمة في عدم تعميمها رغم وعود الحكومات المتعاقبة
قسمت في الجزء الأول من حوارك مع موقع (le7info) المراحل التي قطعها تدريس اللغة الأمازيغية إلى ثلاث مراحل، والتي كان لها بعض التأثير على عدم تعميمها بالمدرسة الابتدائية، ما هي هذه المراحل الثلاث المتحدث عنها؟
ج= فعلا،تدرج تدريس اللغة الأمازيغية بالمدرسة المغربية عبر ثلاث مراحل أساسيةهي:
- المرحلة الأولى: من 2001 إلى 2003.
مرحلة اتسمت بالإعداد واستكمال النصوص القانونية المتيحة للتنزيل وفقا للظهير الملكي السامي 1.01.299 المحدث للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية وتحديد أدواره خصوصا في جانب تهيئ اللغة والمساهمة في إنتاج الوثائق اللازمة لتدريسها. هذه المرحلة أيضا شهدت نقاشا حول التعبير الخطي الذي سيتم اعتماده لتدريس اللغة وفقا للمادة 3 من نفس الظهير ومساهمة المعهد إلى جانب الوزارة في تسطير خطة التنزيل وإقرار اللغة الأمازيغية مادة من مواد المدرسة المغربية مع كل ما يستلزمه ذلك من تجريب وتكوين وإنتاج للكتب المدرسية.
المرحلة الثانية: من 2003 إلى 2020.
ومن أهم ما شهدته هذه المرحلة نجد ذلك اللقاء الأول للمتعلمين المغاربة مع حرف تيفيناغ الذي تم إقراره حرفا رسميا لتدريس اللغة الأمازيغية بالمدرسة المغربية. كما شهدت أيضا تكوين عدد مهم من المدرسين الذين كانوا متحمسين بشكل كبير لتدريس الأمازيغية علما أنهم في الأصل أساتذة مزدوجون تم تكليفهم بناء على رغبتهم في ذلك، لكن اعتماد التخصص ابتداء من سنة 2012 تجاوز ونسف بشكل غير مفهوم ما تم تحقيقه قبل ذلك. ومنه تمت العودة إلى نقطة الانطلاق بتوظيفات ضئيلة جدا لا تتجاوز في الغالب العدد خمسة أو ستة بكل مديرية. هذا كله بالرغم من وجود اتفاقية سارية المفعول بين الوزارة الوصية والمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية الذي يفترض فيه التأثير في مخططات التنزيل لصالح تدريس اللغة الأمازيغية بالنظر للإمكانيات التي منحت له خصوصا في جانب الدراسات والبحوث والتكوين مع الاستمرار في تهيئة اللغة. هذه المرحلة أيضا شهدت إخراج مجموعة من النصوص المبهمة والملتبسة خصوصا قبل اعتماد التخصص تتعلق بمدة عمل المدرس المكلف بتدريس اللغة الأمازيغية وعدد الأقسام التي يدرسها وكيفية توطين الأمازيغية ضمن استعمالات الزمن الخاصة بالمتعلمين، كل هذه القضايا لم يتم الحسم فيها إلى اليوم وتشكل مسائل خلافية تبعث العديد من المشاكل مع بداية كل موسم دراسي وتجعل اليأس متسللا إلى نفوس كل المهتمين بتعميم تدرس اللغة الأمازيغية باستحالة بلوغ الهدف.
- المرحلة الثالثة: من 2021 إلى اليوم.
هذه المرحلة شهدت تزكية واضحة وبدون أي التباس لمكانة اللغة الأمازيغية خصوصا بعد إصدار القانون الإطار 51.17 والقانون التنظيمي 26.16 المتعلق بإدراج وتعميم اللغة الأمازيغية في مختلف القطاعات ذات الأولوية والمؤسسات العمومية التابعة للدولة وضمنها التعليم. فهذه المرحلة أيضا عرفت بروز سقف زمني لتعميم تدريس اللغة الأمازيغية وتم تحديده في بلوغ سنة 2030 وفقا لمجموعة من العمليات المتعاقبة كما يلي:
- تحيين وثيقة المنهاج الدراسي الخاص بتدريس اللغة الأمازيغية – أبريل 2021، وانضمامها لنفس طريقة تدريس باقي اللغات بالمدرسة المغربية في إطار التكامل الداخلي لتدريس اللغات.
- تحيين دفاتر التحملات الخاصة بتأليف وإصدار الكتاب المدرسي وتحقيق توافقه ومختلف المشاريع التي تنزلها الوزارة الوصية بالمدرسة المغربية (التربية الدامجة كمثال)
- إصدار كتب مدرسية محينة ومطابقة لوثيقة المنهاج الجديدة.
- إصدار المذكرة 28 بتاريخ 23 ماي 2023 في شأن التعميم التدريجي لتدريس اللغة الأمازيغية في السلك الابتدائي، والتي تعتبر أول نص في تاريخ تدريس اللغة الأمازيغية يضع سقفا زمنيا محددا لبلوغ التعميم وفق عدد من الإجراءات والأهداف المرحلية المضبوطة.
- إصدار المذكرة 152 بتاريخ 19 أبريل 2024 في شأن تنفيذ مخطط التعميم التدريجي لتدريس اللغة الأمازيغية في السلك الابتدائي، وهي المذكرة التي حددت كيفيات التعيين والاستعمال الأمثل والمساعد على بلوغ التعميم والرفع من مؤشرات الأهداف المرحلية لذلك، كما عززت البنيات المحلية لتدارس سبل التجويد وحل المشاكل المرصودة.
- الرفع من عدد الأساتذة القادرين على تدريس اللغة الأمازيغية وفق مقاربتين: مقاربة التخصص للتدريس في المؤسسات الكبرى المتيحة لذلك (600 مدرس سنويا)، ومقاربة تكوين المزدوج لتدريس اللغة الأمازيغية بشكل مندمج داخل باقي المكونات خصوصا في المناطق التي لا تتيح إمكانية التخصص خصوصا الفرعيات والمؤسسات الصغيرة (دفعة أولى 4500 مدرس سنة 2024).
- إصدار المذكرة 200 بتاريخ 05 يوليوز 2024 في شأن تدريس اللغة الأمازيغية بسلك التعليم الابتدائي بمؤسسات التعليم المدرسي الخصوصي برسم الموسم الدراسي 2024/2025 وهي وثيقة تصدر لأول مرة في تاريخ تدريس اللغة الأمازيغية بالمغرب، مع تكوين فوج أول من مدرسي المدارس الخصوصية خلال الصيف المنصرم. هذا بالرغم من اعتبار تدريس هذه اللغة بالمؤسسات المعنية أمرا اختياريا في مرحلته الأولى إلا أنها تبقى بادرة غير مسبوقة، كما نشير أيضا لكون اعتبار الأمر اختياريا في مرحلته الأولى مسألة مفهومة من خلال استحضار وزن الضغط الذي يعرفه قطاع التعليم الخصوصي من قبل اللوبي المستثمر في القطاع.
- اعتماد سلك تكوين المفتشين المتخصصين في مراقبة وتأطير أساتذة اللغة الأمازيغية لأول مرة في المغرب (الفوج الأول سيباشر العمل مع مطلع الموسم القادم)
- العمل على تنزيل ما ذهبت إليه خارطة الطريق 22/26 بخصوص اعتماد منصات لتعلم اللغات بالمغرب والشروع منذ الموسم الدراسي الفارط في إعداد أول منصة من هذه المنصات وهي خاصة باللغة الأمازيغية بغلاف مالي مهم جدا بتعاون مع وزارة الانتقال الرقمي وتحديث الإدارة التي أعلنت عن الصفقة وإشراف مديرية المناهج على تنزيل الجانب البيداغوجي والمصادقة على الموارد الرقمية المعدة للمنصة.
أشار الوزير محمد برادة كذلك إلى أن الوزارة تعمل حاليا على تكوين 3000 أستاذ للتعليم الابتدائي بالتخصص المزدوج في مجال تدريس اللغة الأمازيغية، وذلك لتحسين تعميم تدريسها، هل سيساهم هذا العدد في تعميم الأمازيغية؟
ج= من خلال العودة لمآل الفوج الأول من المدرسين المزدوجين الذين تم تكوينهم بكل جهات المملكة وعددهم 4500 مدرس ومدرسة، لابد من الإقرار باستحالة نجاح الأمر لوجود خلل في المنطلق العام لهذه التجربة. وهنا لا ننكر كون الفكرة متقدمة وغير مسبوقة في فصل الرؤية المؤطرة لهذا الإجراء بين تدريس اللغة الأمازيغية بالمؤسسات الكبيرة التي تتيح إمكانية اعتماد أستاذ متخصص والمؤسسات الصغيرة والفرعيات التي لا يمكن بتاتا تعيين متخصص بها. من هنا انطلقت الفكرة لتكوين المزدوجين قصد تدريس الأمازيغية بالقرى والمناطق النائية المتوفرة على فرعيات أو مؤسسات صغيرة. هذا الإجراء يصطدم بحركية المدرسين نظرا لكون المناطق المعنية مناطق عبور غالبا ما تتم مغادرتها بعد سنة أو سنتين وبالتالي ضياع الجهد والطاقة المبذولان لتعميم تدريس اللغة الأمازيغية بالمدرسة المغربية هذا دون إغفال كون هندسة هذا التكوين لا يعطي الحق فقط في الاستفادة للعاملين في المناطق المقصودة، بل يجعل إمكانية ذلك متاحة للجميع وهذا أيضا تبديد للجهود المبذولة لبلوغ التعميم المأمول.
|
أين اللغة الأمازيغية من مشروع المدرسة الرائدة؟
ج= داخل مشروع الريادة نجد مكونات مؤلفة لهذا الإصلاح وأهمها فترة الدعم وفق المستوى المناسب، خلال هذه الفترة التي تتجاوز مدة شهر في بداية الدخول المدرسي، نجد بأن اللغة الأمازيغية تغيب عن الفصول الدراسية نظرا لكون القائمين على المشروع يخصصون الفترة المعنية لدعم وتقوية قدرات المتعلمين في التعلمات المرتبطة فقط بالمواد الأساسية. علما أن هذا المفهوم المتمثل في “المواد الأساسية” لا وجود له في الوثائق الأسيسة التي يعتمد عليها النظام التربوي المغربي باستثناء بعض المذكرات القديمة. وهذا يعني بأن مدرس اللغة الأمازيغية لا يشتغل ما يزيد عن شهر في بداية كل موسم دراسي، وهذا ما يجعل الإدارة تحاول تشغيله في برنامج الدعم لتدريس تخصص أخر غير تخصصه وبالتالي بروز مشاكل تنظيمية كثيرة في المؤسسات التعليمية.
|
أما خلال فترة التعليم الصريح فنصطدم بالضغط الذي يولده حجم الدروس المعتمدة مركزيا وتوزيع الأقسام بين مختلف التخصصات في المؤسسات التي تشهد تنزيل مقاربة التخصص، وهذا ما يجعل الأمازيغية مرة أخرى تعاني التهميش وبروز مشاكل تنظيمية أيضا خلال مفاوضات الخروج بصيغة لاستعمال الزمن.