حوار مع ”اشتفان شويتر” حول الماركسية و الحياة و الادب
أجرى الحوار فيصل دراج
هذا الحوار السريع و الناقص لا يطمح الى اعطاء المعلومات و التعاليم, بقدر ما يطمح الى الاشارة الى فكر دياليكتيكي منفتح, يعرف النقد و النقد الذاتي, كما يعرف التمييز بين الايجابي و السلبي. و الحوار كما يوحي العنوان يبدأ بالأدب, مع ان الادب ليس هو البداية الصحيحة دائما, لكن البداية تجد شفاعتها في موضوع الحديث, في مادة الحوار, في السؤال و الاجابة عن موضوع شهير اسمه الواقعية و الواقعية الاشتراكية. و الشفاعة تصدر من مصدر الحديث, و عن معطي الاجابة : اشتفان شويتر , مسؤول قسم العلوم الادبية, في اكاديمية العلوم الهنغارية, و أحد أهم مؤرخي الادب و نقاده و ممارسيه في هنغاريا.
س1- كل حديث عن نظرية الادب في هنغاريا يبدأ و ينتهي ب ”لوكاتش” , فما هو الوضع الذي يحتله في تاريخ النقد الادبي في بلادكم؟ و هل تعتقد أن نظريته عن الواقعية التي صاغها في موسكو في الثلاثينات لا تزال صالحة حتى اليوم ؟
شهد النقد الماركسي صعودا ملحوظا بعد الحرب الكونية الثانية, و قد لعب فيه لوكاتش دورا خاصا. و كما نعلم فان لوكاتش كان مهتما برواية القرن التاسع عشر مثل رواية تولتسوي و ديستويفسكي و بالزاك, لذلك فان ترجمة اعماله الى الهنغارية أدت الى نتيجتين, الاولى : العودة الى الرواية الكلاسيكية و قراءتها من جديد. و الثانية : بناء نظرية الادب اعتمادا على الرواية الواقعية بشكل اساسي, لذلك فان نظرية لوكاتش و تلاميذه تنطبق على الرواية, اكثر مما تنطبق على الشعر. و قد كان تأثير لوكاتش واسعا في حقل نظرية الادب و التحليل الادبي و الممارسة الادبية, و قاعدة هذا التأثير هي مفهومه للواقعية. و في السنوات الاخيرة بدأ الباحثون في الادب يلمسون ضيق هذا المفهوم و محدوديته, كما ان لوكاتش بدأ في سنواته الاخيرة بإعادة النظر في هذا المفهوم و خاصة في كتابه الشهير ” علم الجمال” , كما انه بدأ ينفتح على الرواية الحديثة, و الاعمال الادبية الطليعية, و ان ذلك, قد تم احيانا على مستوى النظرية فقط. لذلك ينبغي ان نمايز في المسار النظري ل” لوكاتش” بين عدة مراحل, فهناك المرحلة الاولى التي كتب فيها نظرية الرواية, و لم يكن قد اصبح ماركسيا بعد, و كما نعلم فقد نقد هذا الكتاب في وقت لاحق و اعتبره ظلاميا رجعيا, و اقول هنا ان هذا النقد لم يكن صحيحا في كل وجوهه. ثم هناك المرحلة الثانية, التي صاغ فيها نظرية الواقعية و مع ن هذه النظرية كانت موجهة أـساسا ضد الاتجاه المتزمت الذي قادته مدرسة ” البروتكولت” الا انها كانت بدورها ضيقة و غير منفتحة على التيارات الحديثة, لذلك فان لوكاتش لم يكن محقا في رفضه لأعمال بروست و كافكا و جويس, فهذه الاعمال كانت تعبر عن سيرورة اجتماعية, و كانت تحتاج الى دراسة اكثر عمقا و تدقيقا, لذلك كان طبيعيا ان يعود لوكاتش في سنواته الاخيرة الى نظريته عن الواقعية , التي كتبها في موسكو و نشرها في كتابه ” مسائل الواقعية” و ان يحاول فحص مفاهيمها من جديد, و ان يعيد بناء هذه المفاهيم بشكل جديد و مختلف في احدى اهم دراساته عن مفهوم : الخصوصية.
س2- هل يمكنك اعطاء تقييم عام لتراث لوكاتش, تقييم يظهر ما كان سلبيا و ما كان ايجابيا ايضا في نظريته عن الادب؟
بالنسبة الى نقاطه السلبية, اعتقد انني قد اشرت اليها, اما نقاطه الايجابية فهي كثيرة , لقد كان لوكاتش انسانا حقيقيا, مخلصا لعمله و لبحثه النظري الواسع, لذلك فانه كان مهتما بكل شيء, و بكل حقل من حقول المعرفة و الثقافة و كان له حضوره الواسع في الادب و الفلسفة و الثقافة و السياسة. و لأنه كذلك كان مصدر ايحاء و الهام لكل العاملين في الثقافة في بلادنا, أضف الى ذلك أنه من الصعب تطوير النظرية الماركسية في الادب بدون معرفة حقيقية لاعمال لوكاتش في جوانبها السلبية و الايجابية, اذ انه حاول اقامة بناء نظري لشرح الظاهرة الادبية, و اعطاء نسق كامل من المفاهيم النظرية.
س3- ما هو دور لوكاتش في اتجاهات البحث النظرية القائمة حاليا في حقل الادب في بلادكم, و هل مزال حضور لوكاتش قائما؟
بالتأكيد انه حاضر في البحث الادبي في هنغاريا, لكن البحث عندنا لا يأخذ بأعماله الاولى, بل يبدأ من عمله التاريخي الاخير: ” علم الجمال” اي اننا نبدأ من اعماله الديالكتيكية, و الديالكتيك في الماركسية يعني دراسة التاريخ و الظواهر التاريخية, لأنه كذلك فإنني اعتقد ان المفاهيم الماركسية لم تستعمل حتى الان بشكل كامل في الدراسة الادبية, اي اننا لم نستخلص منها كل امكانياتها النظرية, فعلى اية دراسة ان تلمس الشكل الديالكتيكية للفكر, اي ان تلمس الديالكتيك و التاريخ معا, فكل دراسة نظرية لا تكون ماركسية الا اذا درست الاطار التاريخي للسؤال الذي تعالجه.
س4- ما هو المفهوم الماركسي للطليعة الادبية ؟
كل مدرسة أدبية طليعية هي ثورية بالضرورة. اذا رجعنا الى تاريخ الحركات الطليعية في الادب و الفن نجد انها كانت تركز على مفهوم أساسي: من أجل تحقيق الثورة الاجتماعية يجب ان نمارس الثورة في الادب و الفن, يجب العثور على اشكال أدبية جديدة, بل يجب تغيير القواعد و النحو و الالفاظ. و يشير تاريخنا الى ان القول بالثورة الاجتماعية يترجم في حقل التعبير بتثوير الاشكال الادبية و الفنية. و للأسف فان مفاهيم الادب الجامدة و الدوغمائية التي انتشرت في زمن ستالين قد رفضت الاتجاهات الطليعية و حاربتها, بل يمكن ان اتجرأ و أقول : النظرية الادبية في زمن ستالين كانت نظرية رجعية تمنع البحث عن الاشكال الجديدة و وسائل التعبير الجديدة. و كما نعلم فان العالم يشهد الان حركة طليعية جديدة, لكن هذه الحركة أقل ثورية من الحركات الطليعية التي ولدن بداية هذا القرن, فالحركات الاولى كانت أكثر ارتباطا بالتحولات الاجتماعية, و أكثر قربا من الفكر الماركسي. و هذا يعني أنه لا توجد طليعية في حدود مطلقة, يجب ان نرى دائما العلاقة بين الطليعية الادبية و السيرورة الاجتماعية.
من كتاب السياسة و الثقافة لفيصل دراج