مذكرات

حلقات من تاريخ نقابة مفتشي التعليم(5)

الحلقة الخامسة: أول مكتب وطني بلا دعم… بلا موارد… لكن بإرادة لا تُقهر

بقلم : عبد الرزاق بن شريج

شهادة شخصية موثقة حول السياق والأحداث التي أفضت إلى ميلاد نقابة مفتشي التعليم بالمغرب سنة 2003.
الغاية: حفظ الذاكرة النقابية لجهاز التفتيش وتوثيق اللحظات المفصلية في تاريخ نقابته.

1 ـ المؤتمر التأسيسي وانتخاب المكتب الوطني الأول
كما سبقت الإشارة في الحلقة الرابعة، فقد أسفرت نتائج أشغال المؤتمر التأسيسي المنعقد يوم السبت 7 أبريل 2003 عن انتخاب أول مكتب وطني للنقابة، يتكون من 25 عضواً.
فكان محمد الرباحي: أول كاتب عام (مفتش التعليم الابتدائي).
وعبد الرحمان العطار: أول مقرر وطني (مفتش التعليم الثانوي).
وعبد الرزاق بن شريج (عبد ربه): نائب المقرر الوطني.
ومحمد البرمكي: أول أمين وطني للمال (مفتش الاقتصاد).
وقد حمل المكتب الوطني منذ لحظة انتخابه مسؤوليات جسيمة في ظل غياب الإمكانيات المادية والدعم المؤسسي، لكنه كان مسنودًا بثقة المفتشات والمفتشين، وبالإرادة القوية لأعضائه الذين آمنوا بضرورة استقلالية قرارهم النقابي.

2ـ التحديات المبكرة ومسؤوليات المكتب
مباشرة بعد انتهاء المؤتمر، تفرق أعضاء المكتب الوطني مثقلين بعدة مهام شاقة، من أبرزها:
الوثائق القانونية والسعي إلى الحصول على الوصل النهائي لتأسيس النقابة.
رفع دعوى الطعن في النظام الأساسي رقم 2.02.854.
مباشرة تأسيس الفروع الجهوية والإقليمية للنقابة.
لكن الظروف العملية كانت صعبة للغاية:
إذ لم تكن للنقابة مؤسسة داعمة ولا تمويل ذاتي. كما أن الاتصالات الهاتفية حينها كانت مكلفة جدًا، ولم تكن الاجتماعات عن بُعد متاحة آنذاك، كما أن الراتب الشهري للمفتش كان ضعيفا مقارنة بالمصاريف المطلوبة.
ورغم ذلك، امتلك المكتب الوطني ثلاثة عناصر قوة حاسمة:
الحماسة والشجاعة.
الخبرة السياسية والنقابية.
ثقة المفتشات والمفتشين.

3ـ نداء السايح بنيونس ودعمه للنقابة
أخص بالتحية الأخ السايح بنيونس، وأستسمحه في اقتباس خاتمة تقريره الاخباري لمفتشي الناضور بعد عودته من المؤتمر التأسيسي بصفته كاتب فرع الناظور لجمعية مفتشي التعليم الابتدائي، بتاريخ 11 يونيو 2003، حيث قال:
“وفي الأخير أهنئ جميع المفتشين بميلاد نقابة خاصة بهم لطالما حلموا بها، تحمل همومهم وتدافع عن حقوقهم، وكما هو معروف فلكل مولود لابد من رعاية حتى يشد عضده، ورعاية هذه النقابة هو دعمها مادياً ومعنوياً: مادياً بالمساهمة في كراء المقرات، وتقديم الطعون، …، ومعنوياً بالحضور والمساهمة في المناقشات ووضع المقترحات والتصورات.”
ولا يفوتني التأكيد على الدور المهم الذي أدته جمعيات المفتشين في دعم النقابة والترويج لها، إذ كانت منتشرة في كل الأقاليم وأسهمت في تقوية التواصل مع القواعد.

4ـ أول الخطوات العملية للمكتب الوطني

4.1. تمويل الدعوى القضائية
أول إجراء قام به المكتب الوطني كان اكتتاب أعضائه شخصيًا لتغطية مصاريف الدعوى القضائية الخاصة بالطعن في النظام الأساسي، أما التنقل والتغذية والمبيت خلال القيام بالمهام فكل عضو يغطي تكاليف المصاريف من ماله الخاص القليل أصلا.
وتكلف الأخ محمد الرباحي، الكاتب العام، بالإسراع في رفع الدعوى الإدارية قبل فوات الأجل القانوني للطعن.

4.2. إصدار أول بيان رسمي (7 أبريل 2003)
صدر أول بيان للنقابة، وهو البيان الختامي للمؤتمر التأسيسي، يوم 7 أبريل 2003، أي بعد يوم واحد فقط من انتهاء المؤتمر.
لكن سرعان ما واجه المكتب الوطني مشكلة النشر، ما دفعه إلى ضرورة بناء علاقات قوية مع الصحافة الوطنية.
واستغل الكاتب العام محمد الرباحي شبكة علاقاته لنشر البيان الأول، رغم رفض بعض الجرائد المرتبطة بتنظيمات سياسية كانت تعارض تأسيس نقابة مستقلة.
لقد توقعنا المقاومة والعراقيل خاصة بعد انتشار القانون الأساسي الذي جاء بفكرة التناوب على المناصب التدبيرية، حيث نصّ على:
“منصب الكاتب العام وأمين المال والمقرر لمختلف الأجهزة التدبيرية يتناوب عليه من طرف مختلف فئات مفتشي التعليم بعد ترتيبهم حسب نسب انخراطهم: ولا يحق لمن شغل هذه المناصب الترشيح للمرة الثانية إلا بعد إتمام دورة الترتيب الموضوعة سابقًا.”
هذا المبدأ أحدث ثورة داخل المشهد النقابي، لأنه كسر منطق “الكاتب العام الأبدي” ورفض فكرة “الزعيم الخارق”، بالإضافة إلى الفقرة التي تنص على منع المتقاعدين من شغل منصب الكاتب العام أو المقرر الوطني أو الأمين الوطني، ونحن نعرف تأثير ذلك على المركزيات النقابية.
وقد نشرت تغطيات إعلامية باسم الأخ الرباحي وأخرى بأسماء مستعارة جزء منها أعده الأخ الرباحي نفسه، أبرزها التغطية الشاملة بجريدة المشعل، عدد 708 بتاريخ 16 أبريل 2003،

5ـ مقتطف من البيان الختامي للمؤتمر
اختُتم البيان الختامي للمؤتمر بفقرة مؤثرة جاء فيها:
“وإذ يثمن المؤتمر التضحيات الجسيمة التي بذلتها اللجنة التحضيرية ومختلف المبادرات التي قام بها المفتشون في عدة مدن لإنجاح مبادرة التأسيس هاته، فإنه يدعو كافة المفتشين إلى الالتفاف حول نقابتهم المستقلة لجعلها إطاراً قوياً مكافحاً يتمكن من انتزاع كافة المطالب المادية والمعنوية المطروحة على الجهات المعنية منذ عقود من الزمن.”

6ـ التوسع الجهوي وتأسيس الفروع
باشر المكتب الوطني منذ البداية التعريف بالنقابة وسط نساء ورجال التعليم، خصوصًا المفتشات والمفتشين، وانطلق في تأسيس الفروع الجهوية عبر المملكة.
قام أعضاء المكتب الوطني بتمويل تنقلاتهم الشخصية إلى مختلف جهات المغرب (16 جهة آنذاك).
تزامن هذا المجهود مع:
متابعة الدعوى القضائية ضد النظام الأساسي.
الاستعداد لخوض انتخابات اللجان الإدارية المتساوية الأعضاء، رغم أن النقابة لم تكن تتوفر على أي فرع في المغرب آنذاك.
وسيتم التطرق إلى تفاصيل هذه الانتخابات في الحلقات المقبلة لما لها من أهمية خاصة في ترسيخ قوة النقابة.

7ـ المعطيات الإدارية الأساسية
تم إيداع ملف التأسيس لدى السلطات بفاس يوم 5 مايو 2003 تحت العدد 33 بالمنطقة الحضرية أكدال فاس.
وكان المقر المركزي للنقابة في: 12 العمارة رقم 3، شارع لالة أسماء، المدينة الجديدة، فاس.

8ـ أهم النقاط الواردة في البيان الختامي

8.1. المطالب التربوية
الإسهام في تطوير المنظومة التربوية بما يخدم مصلحة المتعلمين. والعمل على تحسين جودة المنتوج التعليمي والرقي به إلى المستوى الذي يطمح إليه المجتمع المغربي.
فكانت هذه من النقط الأساسية والهامة من بين النقط التي دعت لتأسيس النقابة، فما يلاحظه المفتشون من إقبار لتقاريرهم ومراسلاتهم من طرف العديد من المسؤولين والمدبرين الاقليمين والجهويين حين يتجلى الامر برصدهم لاختلالات أو تجاوزات تدبيرية تنخر المنظومة التربوية تكون الإدارة سببها، دعا إلى مطلب “الاستقلالية الوظيفية” والارتباط مباشرة بالمفتشية العامة، لكن للأسف تمت محاربته ممن يعشقون الكراسي، ومروجي المغالطات حول هذا المطلب، وسنعود لهذه النقطة في الحلقات المقبلة.

8.2. المطالب النقابية والمالية
تدارك ثغرات النظام الأساسي لموظفي وزارة التربية الوطنية، وتقديم الطعن القانوني بشأن بعض مقتضياته خاصة ما يهم فئات مفتشي التعليم.
المطالبة بـ التسوية الفورية لملف الترقية الداخلية للمفتشين المستوفين لشروط مرسوم 1985، خصوصًا أفواج 2000 و2001 و2002.
مساواة مفتشي التعليم بمفتشي الوزارات الأخرى من حيث التعويضات والحقوق.
شجب الموقف العدائي لبعض الجهات تجاه مطالب المفتشين، خاصة في ما يتعلق بغلاف التعويضات.

8.3. المواقف الوطنية والقومية
إدانة التدخل العسكري الأمريكي البريطاني في العراق، والمطالبة بالوقف الفوري للحرب.
إدانة الاعتداءات المستمرة على الشعب الفلسطيني، والمطالبة بتمكينه من حقوقه المشروعة وتأسيس دولته المستقلة.

تمهيد للحلقة السادسة
كانت هذه بعض المهام الجسيمة التي واجهت أول مكتب وطني لنقابة مفتشي التعليم بعد تأسيسه.
وسنعرض في الحلقة السادسة برنامج عمل المكتب الوطني، وما حققه خلال فترته الممتدة لثلاث سنوات، مع تسليط الضوء على الإكراهات والعراقيل التي اعترضت طريقه.

عن الكاتب : عبد الرزاق بن شريج عضو مؤسس لنقابة مفتشي التعليم وعضو مكتبها الوطني لمدة 20 سنة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى