الرأي

حكومة أخنوش: الرأسمال حر و الفرد ليس كذلك

 

عبد الإله إصباح

خاض حزب التجمع الوطني للأحرار ورئيسه عزيز أخنوش حملته الانتخابية تحت شعار ‘ تستاهلوا أحسن ” أي انه شعار يعد المواطنين بتحسين أوضاعهم المعيشية عندما يتسلم رئاسة الحكومة، وها قد تسلمها منذ ما يقارب السنتين، وبدل أن تتحسن أوضاع المواطنين اقتصاديا، فوجئوا بزيادات متتالية ومهولة في أسعار المواد الأساسية من دقيق وحليب وسكر وزيت وغيرها من المواد والسلع. وقد كان التبرير الذي سوقته حكومته هو اندلاع الحرب الروسية الأطلسية التي أدت إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية لجل دول العالم، وبالتالي فارتفاع الأسعارمرتبط بظروف خارجة عن إرادة الحكومة.  وهكذا أدرك المواطنون أن شعار ” تستاهلوا أحسن ” هو في الحقيقة لا يخاطبهم بل هوموجه لشريحة من الأثرياء التي ازداد ثراؤها في ظل هذه الأزمة العالمية المتقدة. وقد نتفهم بعضا من المبررات ذات العلاقة بالأوضاع الدولية التي تحول دون تحسين أوضاع المواطنين والوفاء بشعار الحملة الانتخابية و وعودها، ثم أن الحكومة انخرطت في تسويق شعار جديد يوحي بانها لا زالت متشبثة بوعودها، إنه شعار الدولة الاجتماعية الذي سيكون مصيره هو مصير كل الشعارات التي روجت لها الدولة في مراحل سابقة مثل المفهوم الجديد للسلطة والمجتمع الديمقراطي الحداثي والإنصاف والمصالحة وغيرها من الشعارات التي أفرغت من محتواها من جراء كثرة استهلاكها إعلاميا دون أدنى ترجمة لها على أرض الواقع.

ومع ذلك يمكن أن نغض الطرف عن الجانب الاقتصادي في الوفاء بالوعود الانتخابية، ونتناول الموضوع من زاوية أخرى. حزب رئيس الحكومة يقول عن نفسه بأنه حزب ليبرالي، ويمكن انطلاقا من هذه الخلفية أن يقترح مشروعا مجتمعيا يمس نمط حياة الأفراد برفع الوصاية عنهم و إزالة كل القيود التي تكبل حرياتهم الفردية والجماعية. غير مقبول من حزب ليبرالي أن لا يكون له موقف إيجابي من الحريات الفردية، وإلا فإن الليبرالية التي يدعي انه يدافع عنها هي شيء أخر مناقض لها تماما. والحقيقة أن حزب رئيس الحكومة لم يسبق له أن ترافع عن الليبرالية كمنافسة حرة في المجال الاقتصادي تنضبط لقواعد النزاهة والشفافية ونبذ الريع والفساد وكل مظاهر المحسوبية والزبونية. هو إذن لم يدافع عن اللبيرالية الحقيقة في المجال الاقتصادي، أما في المجال السياسي والاجتماعي فإنه غائب تماما وغير قادر على الانخراط في نقاش عمومي مرتبط بهذا الموضوع، لأنه في الواقع حزب بدون أي بوصلة فكرية ، ولأن أطره هم رجال أعمال أوفياء لهويتهم الريعية ولأصولهم المغرقة في التقليد كحال معظم البرجوازية المغربية بما هي بورجوازية تبعية لا تملك زمام امرها ومن تم افتقادها لأي منطلق فكري أو مشروع مجتمع  يسعى إلى النهضة والتقدم. حاليا يسعى وزير العدل إلى القيام بتعديل بعض بنود القانون الجنائي، وقد روج أنه يهدف إلى رفع التجريم عن العلاقات الرضائية وفي هذا الصدد نظم بعض الندوات لمناقشة الموضوع، والسؤال الذي يفرض نفسه في هذا الصدد هو هل دعوة الوزير تكتسي حد أدنى من الجدية وهل تتوفر الحكومة فعلا على ارادة وتصميم للإقدام على هذا التعديل؟ لم نسمع رئيس الحكومة يدلي بأي تصريح يظهر موافقته على هذا التعديل، كما أن أعضاء حزبه يلتزمون الصمت المطبق بهذا الخصوص لأنه موضوع بعيد تماما عن اهتماماتهم ومشاغلهم، أما وسائل الإعلام الرسمية فلا تجرؤ على الاقتراب منه، وهو ما يبرز أن الموضوع ليس مطروحا ضمن اجندة الدولة في الوقت الراهن، وأن الأمر في النهاية يهدف غلى تحريك الجدال بين الإسلاميين و العلمانيين  لتأبيد الانقسام بينهم ولجر النقاش العمومي بعيدا عن مقتضيات وشروط القضاء على الاستبداد وتحقيق الانتقال الديمقراطي. تبقى إذن الحريات الفردية وضمنها العلاقات الرضائية مؤجلة لأن إرساءها مشروط بإرساء الديمقراطية والانتقال من التقليد إلى الحداثة .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى