حسونة المصباحي والشهيد المهدي بن بركة: مزحة المثقف و السلطة
عبد الإله إصباح
حسونة المصباحي كاتب وروائي تونسي، أصدر مجموعة من الكتب والروايات التي تلقاها القراء بتقدير واهتمام، وخاصة روايتا ” الآخرون” وهلوسات ترشيش ” اللتان بنى عالمهما السردي على قلق الشخصيات وتمردها على واقعها السياسي والاجتماعي وخيبة الأمل في تغيير هذا الواقع. والرويتان ترتكزان على جانب من السيرة الذاتية للكاتب و تشكل الحانة فضاء أساسيا في البناء السردي للروايتين متأثرا في ذلك بمحمد شكري الذي يكن له إعجابا وتقديرا كروائي متميز وصديق عزيز.
وقد دأب حسونة المصياحي على زيارة المغرب كضيف من ضيوف مهرجان أصيلة منذ 1986، وتوطدت على إثر ذلك علاقاته بالعديد من الكتاب والمثقفين المغاربة. أصدر مؤخرا كتابه ” الرحلة المغربية” يستحضر فيه ذكرياته ولقاءاته بالعديد من الشخصيات المغربية في مجال الإبداع الأدبي والفني، وهي اللقاءات التي جذبته واستهوته كثيرا فشكلت دافعا رئيسيا لتلك الزيارات المتكررة، وهو ما دفعه للقول:” و ما كان يعنيني هو الالتقاء بالفنانين والكتاب والشعراء في مختلف المدن المغربية، إذ أنني شعرت أن تلك اللقاءات تفتح أفاقا واسعة امامي… وفي كل مرة أزور المغرب، أشعر أني لم اعد أطير بجناح تونسي فقط، بل بجناح آخر هو الجناح المغربي…”
وكان ممكنا للكتاب أن يظل مصنفا ضمن كتب الرحلة والسيرة الذاتية ، لو اقتصر فيه الكاتب على سرد لقاءاته بالكتاب والشعراء والفنانين المغاربة وذكرياته معهم، كما فعل عندما تحدث عن محمد شكري وقضائه أوقاتا رائقة معه سواء في بيته او في العديد من بارات طنجة. غير انه انحرف بطبيعة الكتاب في العديد من الصفحات من صنف الرحلة إلى منشور سياسي دعائي يصفي فيه الحساب مع اليسار كفكر وتنظيمات وشخصيات، ويكيل المدح للسلطة بالمغرب بشكل يبرز أن الغاية من الكتاب هي تقديم خدمة لهذه السلطة نظير استضافته المتعددة آكلا وشاربا ومقيما في افخم الفنادق من المال العام
وفي أطار هذا التوجه، اختار أن يتقرب إلى السلطة من خلال الإساءة للشهيد المهدي بن بركة ومحاولة المس بهالته كمناضل أممي وزعيم من زعماء حركات التحرر الوطني في العالم. وفيما يشبه تبرير اختطافه واغتياله، سعى إلى الحديث عن ما أسماه أخطاء بن بركة حديثا ممزوجا بالكثير من التزلف و الرغبة في تقديم خدمة ضمنية لأصحاب نعمته، زاعما أنه يستند في ذلك على ما كتبه عبد الله العروي في هذا الصدد. وحتى لو افترضنا أن اعتماده على العروي هو بالفعل أمر صحيح، فإن ذلك لا يضفي على كلامه المصداقية المطلوبة لأن العروي عندما تحدث عن الشهيد المهدي بن بركة، كان يتحدث من موقعه الجديد كمثقف مهادن لم يجرؤ يوما عن معارضة السلطة أو إبداء رأي نقدي بخصوصها، بل أكثر من ذلك، ساهم مع إدريس البصري في مؤلف جماعي يتحدث عن توجهات ومنجزات الحسن الثاني، كما أنه كان مبعوثا لهدا الأخير في العديد من المهام الديبلوماسية. وإذن فالعروي نفسه لا يستطيع أن يتحدث عن الشهيد المهدي بن بركة حديثا موضوعيا خاليا من هاجس إرضاء السلطة.
إن نزعة التمرد والقلق التي تطبع كتابات حسونة المصباحي، تصبح بدون معنى عندما تقترن بانتهازية ممقوتة تحول مسارا نضاليا زاخرا من أجل مغرب عصري ومتقدم ينبني على احترام الإرادة الشعبية، إلى مجرد سعي محموم لافتكاك السلطة مع تحمله هذه دالعبارة من دلالة قدحية تجرد من اقترنت به من كل المزايا والخصال النبيلة.
إن الكاتب والمثقف عندما يتخلى عن المسافة المعقولة إزاء أي سلطة، يصبح بوقا من ابواقها، فيتخلى عن وظيفته النقدية، ويفقد جدارته كمثقف، وللأسف لم يستطع حسونة المصباحي أن يتفادى هذا المصير