حزب العدالة والتنمية وورطة التطبيع
عبد الإله إصباح
أدلى القيادي السابق بحزب العدالة والتنمية عبد العزيز الرباح بتصريح لإحدى الإذاعات المغربية الخاصة اعتبر فيه أن حزبه لم يوقع على اتفاق التطبيع مع الكيان الصهيوني كحزب سياسي، بل كان توقيع الأمين العام السابق سعد الدين العثماني تعبيرا عن اختيار الدولة المغربية بعد أن تلقى تعليمات من الملك بأن يوقع على الاتفاق وأنه كان يفضل توقيع وزير الخارجية ناصر بوريطة. نسجل بداية أن هذا التصريح أدلى به عزيز الرباح بعد أن غادر منصبه الحكومي كوزير، فهو إذن تجنب أي تصريح عندما كان لا يزال وزيرا بيرز أنه معارض للتطبيع أو غير متفق مع الدولة في هذا القرار، فلو فعل ذلك في حينه لكان تعبيرا عن شجاعة وجرأة لا تكترث لمصير المنصب الحكومي بقدر ما تحرص على التعبير عن موقف مبدئي مهما تكون العواقب. أما الآن وبعد فقدان كرسي الوزارة، فإن الإدلاء بمثل هذا التصريح لا ينم عن أدنى شجاعة، بل يعكس صورة سلبية عن نمط من الفاعل السياسي الذي لا ينطلق من أي رؤية سياسية و لا يحتكم إلى أي مبدأ في خوضه غمار السياسة، فهذه بالنسبة له تصبح مجالا لإتقان المناورات والتقلبات في المواقف من النقيض إلى النقيض.
الآن قادة الحزب يريدون التبرؤ من ورطة التطبيع، بعد صمتهم الطويل وعدم تحريك الساكن في الوقت المناسب، والأدهى من ذلك هو تبرير الموقف بالمصلحة العليا للوطن ومحاولة ابتكار ” نظرية “جديدة في علم السياسة مفادها ” أن الرجل الثاني في الدولة لا يمكنه معارضة الرجل الأول في الدولة ” هكذا دافع عبد الإله بنكيران عن التطبيع أمام حشود من مناصريه . ومنذ توقيع الاتفاق لم نسمع عن احتجاج فرع حزبي هنا أو هناك، او عن تذمر مجموعة من ” المناضلين” اثناء اجتماعات تنظيمية أو الإدلاء بتصريحات وكتابة مقالات من طرف قياديين وبرلمانيين، فالكل لزم الصمت وتقبل الوضع دون اعتراض أو احتجاج مهما كان شكله أو حجمه.
والحقيقة أن سلوك الحزب في هذا الصدد غير مستغرب، فهو كتنظيم سياسي لم يتعود أن يعارض السلطة أو يعبر عن مواقف تخالف توجهاتها في مجال السياسات الداخلية أو الخارجية،هو حزب حرص منذ تأسيسه على إظهار ولاء منقطع النظير لها، يتجنب دوما التصادم معها، ويعمل على تبديد أي سوء تفاهم يطرأ في العلاقة معها. عندما أصدر بيانا ينتقد فيه تصريحات وزير الخارجية ناصر بوريطة بخصوص العلاقة مع الكيان الصهيوني، سارع إلى نوع من الاعتذار إثر صدور بلاغ للدوان الملكي يعبر عن غضبه من ذلك البيان، لم يدافع عن حق الحزب في أن يكون له رأي مستقل إزاء مواقف الدولة وقراراتها، بل راح يصوغ مجموعات من التخريجات من قبيل أن الدولة بالفعل تمتلك معطيات تكون غائبة عن الفاعل السياسي وهو يصدر بيانا أو يعبر عن موقف، مما يجعله لا يتوفق في اختيار الموقف المناسب.
وكأن سعد الدين العثماني لم يكن هو الأمين العام للحزب أثناء التوقيع. لقد أفلت الحزب موعده مع التاريخ عندما لم يستطع رفض التوقيع وامتثل مذلولا ومهزوما..
والحزب بدل أن يصدر عنه نقذ ذاتي في موضوع التطبيع أو يعتذر عن توقيعه المخزي، يلتجئ إلى التلاعب بالألفاظ والعبارات متنصلا تماما من تحمل المسؤولية الكاملة عما اقترفه في حق القضية الفلسطينية، فيزعم أن الحزب لم يوقع كحزب سياسي، وكأن سعد الدين العثماني لم يكن هو الأمين العام للحزب أثناء التوقيع. لقد أفلت الحزب موعده مع التاريخ عندما لم يستطع رفض التوقيع وامتثل مدلولا ومهزوما لتعليمات الدولة دون أدنى تعبير عن الرفض أو عدم الموافقة بصياغة أقل حدة. لو رفض الحزب في حينه التوقيع لكان له اليوم شأن آخر وموقع مغاير وصورة حزب مناضل له مبادئ مستعد للدفاع عنها والتضحية من أجلها. ولكن أبان مقابل ذلك عن انتهازية مفرطة، وتملق للسلطة لم يشفع له، ولم ينفعه عندما اندحر في الانتخابات الأخيرة وتكبد خسارة كبرى لا شك أنها بالإضافة إلى عوامل أخرى، كانت نتيجة لتورطه في توقيع اتفاق التطبيع مع كيان مجرم لا يتوانى في تنفيذ إبادة جماعية في حق الشعب الفلسطيني البطل