حربان و خمسون انتخابا..أزمات و مخاطر يواجهها العالم في 2024
لوسات أنفو
نشرت صحيفة “نيويورك تايمز”، في 24 ديسمبر 2023، مقالاً لـ”باتريشيا كوهين”، المتخصصة في الاقتصاد العالمي، حمل عنوان “حربان و50 انتخاباً: الاقتصاد يواجه مخاطر جيوسياسية متزايدة”. ويتناول المقال أهم التحديات التي يواجهها الاقتصاد العالمي في اللحظة الراهنة والعالم على مشارف عام جديد سيشهد تحولات سياسية كبيرة في دول مختلفة.
يشير المقال إلى وجود عدد من الأزمات أمام الاقتصاد العالمي تهدد استقراره، وهو الأمر الذي يمكن تناوله على النحو التالي:
1- توسع تبعات حالة عدم الاستقرار في الشرق الأوسط: ذلك أن الحرب القائمة بين إسرائيل وحركة حماس في قطاع غزة تضخ جرعة جديدة من عدم الاستقرار إلى الاقتصاد العالمي الذي يعاني بالفعل من توترات جيوسياسية متصاعدة. وتتضاعف المخاوف المرتبطة بحالة عدم الاستقرار تلك مع الهجمات التي تشنها جماعة “الحوثيين” اليمنية المسلحة، مستهدفةً حركة الشحن الحيوية بمضيق “باب المندب” في البحر الأحمر، وهو ما يعد امتداداً لتصاعد الصراع بين إسرائيل وحماس، الذي يعتبر الأحدث في سلسلة من الأزمات المتواصلة، بما في ذلك وباء “كوفيد 19” والحرب في أوكرانيا، التي كان لها انعكاساتها الخطرة والمستمرة على الاقتصاد العالمي.
2- تسبب هجمات الحوثيين في ارتفاع أسعار الشحن العالمي: في سياق التبعات المشار إليها، أدت هجمات الحوثيين على السفن القادمة من مناطق مختلفة في مضيق باب المندب على الطرف الجنوبي من البحر الأحمر، إلى ارتفاع أسعار الشحن والتأمين وأسعار النفط عالمياً. وحتى إن لم تكن الزيادة كبيرة، فإن حالة عدم اليقين لها تأثير مثبط على الاقتصاد العالمي، مع تحويل الكثير من حركة المرور البحرية إلى طريق “رأس الرجاء الصالح” الأطول والأكثر تكلفةً حول أفريقيا؛ وذلك فيما يعد أكبر عملية إعادة توجيه للتجارة الدولية منذ الهجوم الروسي على أوكرانيا في فبراير 2022، وفي حين أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية، في ديسمبر 2023، أنها ستوسع تحالفاً عسكرياً لضمان سلامة السفن التي تمر عبر هذا الممر التجاري الذي يمر عبره 12% من التجارة العالمية.
3- تنامي تأثير صغار الفاعلين على سلاسل التوريد: بحسب المحللين الجيوسياسيين، فإن الشهرين الماضيين شهدا ارتفاعاً في أعداد الفواعل من اللاعبين الأصغر، مثل دول اليمن وأذربيجان وفنزويلا مع حركة حماس، الذين يسعون إلى تغيير الوضع العالمي الراهن. وحتى لو كانت هذه الفواعل لا تنغمس إلا في صراعات صغيرة ومحدودة، لكنها بسبب ممارساتها لا تزال قادرة على التأثير على سلاسل التوريد العالمية بطرق غير متوقعة، وخاصة أن القوى الجيوسياسية أصبحت أكثر تشتتاً، وهذا ما يزيد من تقلبات الأوضاع الاقتصادية عالمياً.
4- حضور القضايا الاقتصادية في انتخابات 2024: في موجة من الانتخابات الوطنية التي قد تكون تداعياتها عميقة وممتدة، يشهد عام 2024 توجه أكثر من ملياري شخص في نحو 50 دولة إلى صناديق الاقتراع لانتخاب حكومات جديدة، وبما يشمل دول الهند وإندونيسيا والمكسيك وجنوب أفريقيا والولايات المتحدة والدول السبع والعشرين الأعضاء في البرلمان الأوروبي، وليمثل المشاركون في انتخابات العام الجديد ما نسبته 60% من الناتج الاقتصادي العالمي؛ وذلك مع الإشارة إلى أن الانتخابات تُجرى في الديمقراطيات القوية وسط حالة من تراجع الثقة بالحكومات، وانقسام واضح في توجهات الناخبين، مع قلق عميق ومستمر بشأن الآفاق الاقتصادية، لا يغيب حتى في الأنظمة الاستبدادية التي تتراجع فيها نزاهة الانتخابات.
5- التداعيات الجيوسياسية المترتبة على نتائج الانتخابات: ستجري أكبر انتخابات العام المقبل في الهند، وهي حالياً صاحبة الاقتصاد الأسرع نمواً في العالم، وتتنافس مع الصين باعتبارها مركز التصنيع في العالم. ومن المحتمل أن تؤدي الانتخابات الرئاسية في تايوان في يناير إلى تصعيد التوترات بين الولايات المتحدة والصين. وفي المكسيك، سوف يؤثر التصويت على النهج الذي تتبعه الحكومة في التعامل مع قضايا الطاقة والاستثمار الأجنبي. ومن الممكن أن يغير الرئيس الجديد في إندونيسيا السياسات المتعلقة بالمعادن المهمة مثل النيكل. ولعل القرار الذي اتخذه الرئيس فلاديمير بوتين خلال الشهور الماضية بإلزام المصدرين بتحويل العملات الأجنبية إلى الروبل كان بهدف دعم العملة وخفض الأسعار في الفترة التي تسبق الانتخابات الرئاسية الروسية المقررة في مارس المقبل.
هذا ولا شك أن الانتخابات الرئاسية الأمريكية سوف تكون الأكثر أهميةً على الإطلاق بالنسبة إلى الاقتصاد العالمي؛ وذلك فيما سيحدد الفائزون في الانتخابات القرارات السياسية الحاسمة التي تؤثر على دعم المصانع، والإعفاءات الضريبية، ونقل التكنولوجيا، وتطوير الذكاء الاصطناعي، والضوابط التنظيمية، والحواجز التجارية، والاستثمارات، وتخفيف الديون، وانتقال الطاقة.
6- المخاوف الاقتصادية المرتبطة بصعود الشعبويين: إن سلسلة من الانتصارات الانتخابية التي تحمل الشعبويين إلى السلطة يمكن أن تدفع الحكومات نحو تشديد السيطرة على التجارة والاستثمار الأجنبي والهجرة. ومثل هذه السياسات يمكن أن تدفع الاقتصاد العالمي إلى آفاق مختلفة تماماً عما تم اعتياده، وتثير احتمال حدوث “حلقة مفرغة”، بالنظر إلى أن انتخاب القوميين اليمينيين من المرجح أن يؤدي إلى مزيد من إضعاف النمو العالمي، وإلحاق الضرر بالثروات الاقتصادية؛ وذلك مع تحذير الخبراء الاقتصاديين من أن العالم الذي تتقلص فيه التجارة هو عالم يتقلص فيه الدخل. وتتضاعف تلك المخاوف مع دفاع الرئيس الأمريكي السابق والمرشح الجمهوري المحتمل دونالد ترامب، عن السياسات التجارية الحمائية، واقتراحه فرض تعريفة بنسبة 10% على جميع السلع القادمة إلى الولايات المتحدة، وهي خطوة من شأنها أن تدفع الدول الأخرى حتماً إلى الانتقام.
وعلى ضوء ما سبق، خلصت شركة الاستشارات EY-Parthenon، في تقرير حديث لها، إلى أن “نتائج الانتخابات يمكن أن تؤدي إلى تحولات بعيدة المدى في قضايا السياسة الداخلية والخارجية، بما في ذلك تغير المناخ واللوائح والتحالفات العالمية”، فيما خلصت دراسة نصف سنوية أجراها “المنتدى الاقتصادي العالمي” إلى أن “استمرار التقلبات في العلاقات الجيوسياسية والجيواقتصادية بين الاقتصادات الكبرى هو أكبر مصدر قلق لكبار مسؤولي المخاطر في كل من القطاعين العام والخاص”. هذا ومع استمرار الصراعات العسكرية، وتزايد نوبات الطقس القاسي، والانتخابات الكبرى المقبلة، من المرجح أن تستمر تلك المخاوف والتبعات خلال العام المقبل.
المصدر: مركز أنترجونال