الرأي

حراك جيل z … دينامية مجتمع

كيف أصبح تأطير الوعي تنميطا أثبت فشله

عبد الإله إصباح

استطاع حراك جيل z أن يخلق الحدث  ويخلخل الجمود الذي طبع الحياة السياسية بالمغرب، حيث استأثر بتغطية إعلامية واسعة على الصعيد العالمي جعلت كبريات وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة تتسائل عن طبيعة هذا الحراك ودوافعه، وكيف انبتق فجأة من سكون خيل للبعض أنه قدر مختوم على الشعب المغربي لا يمكنه تفاديه وتجاوزه بسبب الهيمنة المستحكمة للسلطة على كل منافد التعبير المناهض لها سواء كتنظيمات سياسية أو حقوقية أو منابر إعلامية انتهت إلى الغياب عن الساحة من جراء الخنق والتضييق سواء بالمتابعات أو الحصار المالي  بمنع الإشهار والحرمان من الدعم العمومي.

حراك جيل z بعث إذن حرارة  في مناخ سياسي اكتملت دائرة انغلاقه على نمط سلطوي يسعى إلى أن يترسخ كبنية دهنية وفكرية تؤطر منظور الفرد إلى واقعه السياسي كمعطى بديهي يحظى بالقبول الطوعي ولا يكون أبدا  موضع مساءلة أو نقد أو احتجاج. وقد استكانت السلطة  على ما يبذو إلى هذا  الهدوء ولم تكن تتوقع أن يكون هدوءا من النوع الذي تتبعه العاصفة. اطمأنت السلطة إلى مفعول سياستها في مجال التأطير السياسي والإعلامي عبر إعلام يقصي الرأي الآخر و يغرق فترات البت بببرامج تافهة تسعى إلى تغييب المتلقي عن واقعه وتخديره بجرعات متزايدة  من دعاية إعلامية فجة تقوم على تزييف الواقع وتجميل الخنوع والانبطاح و اعتبار ذلك من صميم ما سمي ب” تمغربيت” كميسم وعلامة على المغربي الذي تريده السلطة، مغربي بدون حس نقدي أو نزوع للرفض والاحتجاج.

استفاقت السلطة إذن من سباتها على حراك غير مسبوق  من ناحية اتساعه وامتداده إلى مناطق نائية لم يسبق لها أن خرجت تحتج وتطالب بإسقاط الفساد. وتبين أن كل تلك السياسة في مجال تأطير الوعي وتنميطه قد باءت بالفشل ولم تنتبه بسبب الغرور ونكران الواقع إلى ما يعتمل في العمق من أسياب الرفض والاحتجاج بخلاف ما يظهر على السطح من جمود واستكانة. وتلك إحدى حسنات هذا الحراك غير المتوقع لآنه يبعث الأمل من جديد في امكانيات تغيير والواقع بالقضاء على الفساد ترسيخ ديمقراطية حقيقية تقوم على فصل حقيقي للسلط واستقلال القضاء وإعلام حر ومستقل.

هذا الحراك طبعا حدد سقفا سياسيا لمطالبه يتمثل في إسقاط الحكومة ومحاسبة المسؤولين عن الفساد وققد احتار أن يوجه رسالة مباشرة إلى الملك بهذه المطالب ، وهو بذلك يسمح بتصنيفه كحراك شبابي إصلاحي بخلاف حراكات شبابية في فترات أخرى من الزمن المغربي التي كانت في جوهرها حراكات ثورية سعت إلى تغيير جذري بإسقاط النظام من منطلق توجه سياسي وايديولوجي واضح. كما هو الحال بالنسبة للحركة الماركسية اللينينية والحركة الطلابية في إطار الاتحاد الوطني لطلبة المغرب والحراك الشبابي الذي تجسد في مجموعة 84 بمراكش كمجموعة شهيرة ضمن مجموعات الاعتقال السياسي التي عرفها المغرب على مر العقود السابقة، فضلا عن توجهات شبابية يسارية كتوجه رفاق الشهداء النهج القاعدي، فهذه كلها تعلبيرات سياسية شبابية دفع مناضلوها أثمانا باهظة من حرياتهم بل ومن حياتهم أيضا.

حراك جيل z يندرج إذن ضمن مجموعة من الحراكات الشبابية   التي عرفها المغرب ، وهي حراكات تعكس دينامية مجتمع يسعى إلى الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية ولن تتوقف ديناميته في سبيل ذلك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى