وطني

تازناخت، التي ظلمها أهلها ودفنها مسؤولوها وضُربت الدفوف فوق جثتها

لوسات أنفو: عادل أيت واعزيز 

أتساءل دوما، عما قد يجعل رحالة كشارل دوفوكو، يصف تازناخت في كتابه التعرف على المغرب، بـ”مدشر كبير، بني في مكان حزين”. فالفارق الزمني بيننا وبين تاريخ كتابة الجملة 140عاما. كما أن الظروف الزمنية والمكانية ليست هي هي.

  هذه تازناخت، التي كانت فيما مضى معبرا للقوافل التجارية، وفيما بعد، أرادها المستعمر منطقة عسكرية، فكان لها نصيب وافر من الحضور الاقتصادي والسياسي والمجتمعي. أما الآن فتوشك هذه المنطقة أن تصبح بلا ذات، وبلا معنى، كأنها موجودة فقط لأنها تريد ذلك، وأبى أبناؤها ومنتخبوها أن يُحَوِّلُوهَا لمدينة، وَوَأَدَهَا الجميع. هي هكذا، امْتَحَنَت جميع الأحزاب، واختبرت مسؤوليها، وتخلى عنها أبناؤها. دون أن تتقدم ولو خطوة واحدة بمرفق أوطريق أو مستشفى أو مؤسسة تحتض تَذَمُّرَ التازناختيين وضَجَرَهم، فقتلوها قتلا بطيئا ورمزيا. ثم ابتليت ببلاء السكون.

ألم يقل أحد المجانين الذي كاد برد دجنبر أن يقضي عليه، “أزناغاد راينغو كرا” أي ” أن تازناخت ستقتل أحدهم يوما”. من السهل أن تضم خمس جماعات قروية، وتتفاخر بأسرارها مآثرها التاريخية، وواحاتها الواسعة، وتراثها الرائد في صناعة الزرابي، وكنوزها الطبيعية، وجبالها الشامخة المتبطنة بالمعادن… وبينها وبيننا جسر اسمه لكن، وليست مآثرها من القصبات والمدارس والمداشر القديمة التي تحتفظ بذاكرة المنطقة سوى أنها أصبحت ملاذا للبول والبراز البشري، وواحاتها التي أصبحت محجرة ومقفرة لشدة جفافها.

 أما الزرابي كتراث مشترك، فهي تقترب لأن يقضى عليها، من طرف ضيقي الأفق، متسلقي عمل المرأة، الذين يطلق عليهم اسم “الشناقة” سماسرة الزربية، الذين يعيثون في السوق فسادا، فيُبَخِّسون أثمنة الزرابي. لتجد النساجة أمامها بابا مسدودا، لاخيار لها غير التنازل لهؤلاء بالثمن الذي يقدمونه.

وفيما تستخرجه شركات المناجم، من أصناف المعادن النفيسة، فإن حظنا منها هو غبار شاحناتها الذي نَشُمُّه كُلما عَرجت ومالت عجلات إحداها نحو حافة الطريق غير المعبدة. ونظل نندب حظنا العاثر.

 علينا فقط أن ننظر، لمشاهد مقابر اليهود الذين كانوا في المنطقة، لنلاحظ حجم الهوة السحيقة بيننا وبينهم، في إنقاذ أطلال أسلافهم، حتى وهم تحت الارض. وكان أن قرر تشارلي بوسكيلا، (رجل أعمال يهودي) إعادة ترميمها وتحديثها بشكل لامع، سنة 2005.

فما بالنا بمن هو فوق أرض تازناخت، لم يعد ثمة ما يرجى من الوجوه نفسها، التي تقتحم دوما شأنها التدبيري، بشكل مباشر أو غير مباشر، وهي الوجوه التي جربناها فأذاقت الجميع الوبال وسوء المآل، وبعدما قيل لنا إن المُجرب لا يُجرب ثانية، عادوا إلينا بِبَطانية جديدة، لندرك ولو بعد حين أن المطالب لا تؤخذ بالتمني، لنتقمص الدور نفسه، وكأننا يا بدر، لا رحنا ولاجينا.

الملفت في تازناخت أنها تقف على مساحة تنازع، وهي تحاول الخروج من بوتقتها الجافة والبذيئة، إلى أن صارت رمزا لمجابهة البشاعة والانحدار، مع نفسها ومع المتواطئين عليها، من المجتمع المدني الذي يقف على حافة الفرجة، و مواصلتِه تَسْمِينَ الأفراد بالتظاهرات الرياضية تِلْوَ الأخرى. المجتمع المدني هنا هو ملتقى الإنسان المهدور الذي يصفه مصطفى حجازي «كنتاج لحالة مجتمعية متخلفة تجعله يظن نفسه فاعلًا، وهو في الحقيقة يهدر حياته بما لا يعود عليه أو على مجتمعه بأي نفع». ومن السلطات التي أصبح مجرد مرور عربتها، أمام الأنظار، يسري الخوف في الملامح! فمتى كان الإنسان يخاف من الأمن؟

نحن مجتمع يأكل كثيرا حتى التخمة، ومولع بولائم الأعراس والعزاء، ويُفَجِّر وَلَعَهُ في الدفوف والكلام الكثير. إننا أناس تعيش دون أدنى حد للعيش الإنساني. فأين هي الأيام التي يواجه فيها التازناختي قدره باستماتة ولايخشى لومة لائم، وبالتحديد، سنوات 2011 و2012 ؟ ولكن يطالنا ما يطال الجميع، أو كما كتب نجيب محفوظ يوما في أولاد حارتنا ؛ « ولكن آفة حارتنا النسيان».

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى