تأثير الإنقلابات العسكرية في أفريقيا على النفوذ الصيني في المنطقة
لوسات أنفو: خديجة بنيس
أبرز تقرير لمركز إنترريجونال للتحليلات الإستراتيجية أن الصين تعتمد في سياستها في أفريقيا على مبدأ “عدم التدخل في الشؤون الداخلية” لدول القارة؛ وهو مابدا جليا من خلال استجاباتها حيال الإنقلابات العسكرية في المنطقة، وذلك بدعمها خيارات التسوية السلمية القائمة على الحوار السياسي والتفاوض في محاولة لتأكيد اختلافها عما تتبناه القوى الغربية من استراتيجيات قائمة على تمرير التدخل بمختلف أشكاله، بما فيها العسكري، وهو ما قد يجعلها أكثر قبولاً لدى الشعوب والأنظمة الانتقالية في مرحلة ما بعد الانقلابات العسكرية.
وأوضح التقرير أن الانقلابات الأخيرة قد صاحبتها العديد من التأثيرات الفعلية والمحتملة على المصالح الصينية،والتي تتمثل بالأساسفي تبلور مخاطر بشأن مبادرة” الحزام والطريق” الصينية والتي تشكل واحداً من المرتكزات الاستراتيجية الصينية لتعزيز نفوذها العالمي، وذلك بتأثير ظروف عدم الاستقرار السياسي المصاحبة للمراحل الانتقالية في الدول التي شهدت انقلابات عسكريةعلى الأطر المتعلقة بتفعيل هذه المبادرة، ومنها الغابون مثلاً التي انضمت إلى المبادرة عقب التوقيع على مذكرة تفاهم بين الطرفين في 28 مايو عام 2018. وبالتالي فإن استمرارية دعم الغابون لهذه المبادرة متوقف على طبيعة توجهات وأولويات النظام العسكري الانتقالي بقيادة الجنرال “بريس أوليغي أنيغما”.
وأشار التقرير إلى وجود تأثير محتمل على مجمل الاستثمارات الصينية في النيجر، وهو ما قد يؤثر على مصالحها الاقتصادية، ولا سيما في ضوء أنها تعد ثاني أكبر مستثمر في الاقتصاد النيجري بعد فرنسا، وخصوصاً في قطاع الطاقة.
خاصة بعد الإعلان عن أن العقوبات المرتبطة بالانقلاب أدت إلى وقف التمويل الرئيسيلأهم مشروع للطاقة الكهرومائية غرب “نيامي” والذي يهدف في الأساس إلى دعم قطاع الطاقة في النيجرمن جهة.
فضلا عن عدم وضوح مستقبل الاستثمارات المتعلقة بشركة النفط الصينية التي تديرها الدولة “سينوبك”، والتي وقعت على اتفاقية مع حكومة النيجر في ماي الماضي لتسريع تنمية موارد النفط والغاز، بالإضافة إلى عدم وضوح مصير مشروع خط أنابيب النفط الضخم الذي تنفذه شركة “بتروتشاينا” الصينية في النيجر، الذي كان من المقرر أن يكتمل بنهاية العام الجاري.
وويضيف المركز أن التأثيرات السلبية المحتملة ذاتها تنسحب على تأثر المصالح الاستراتيجية للصين في الغابون؛ حيث تستورد الصين نحو (22%) من خام المنجنيز من الجابون، كما تدير الشركات الصينية أكثر من نصف مناطق قطع الأشجار التجارية في البلاد؛ وذلك على الرغم من أن الواردات الصينية من الجابون تمثل أقل من نحو (1%) و(1.3%) من الطلب على النفط الخام والأخشاب في الصين على التوالي.
وبحسب التقرير تتطلع الصين منذ سنوات طويلة إلى أن يكون لها موطئ قدم على المحيط الأطلسي بغية دعم مصالحها الاستراتيجية، وعلى رأسها مبادرة “الحزام والطريق”، ويتوقف إنشاء هذه القاعدة على طبيعة التوافق بين الصين والنظام العسكري الانتقالي في الغابون في الفترة المقبلة، وإذا تم إنشاء هذه القاعدة فستكون الثانية من نوعها للصين في أفريقيا؛ إذ كانت قد أنشأت أول قاعدة عسكرية لها في أفريقيا في جيبوتي في أغسطس 2017، وهي القاعدة التي هدفت إلى تعزيز المصالح الاقتصادية للصين في منطقة القرن الأفريقي.
وتحاول الصين شأنها في ذلك شأن روسيا الاستفادة من تنامي حالة العداء ومشاعر الكراهية ضد قوى الاحتلال السابقة، وعلى رأسها فرنسا بطبيعة الحال، التي تنامت الموجات الرافضة لوجودها، ولذا تحاول الصين الاستفادة، في هذا الإطار، من عدم وجود ميراث استعماري سابق لها في القارة الأفريقية بصفة عامة، وذلك عبر الترويج لنموذجها القائم على مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأفريقية.
وبالتالي الاعتماد على الأدوات الاقتصادية في المقام الأول، سواء عبر التجارة أو الاستثمارات أو المِنَح والقروض الميسرة أو المساعدات التنموية باعتبار ذلك مدخلاً رئيسياً في تفاعلاتها؛ وذلك على النقيض من النموذج الغربي القائم على الترويج لتجربة “الديمقراطية الغربية”، باعتبارها هي الحل الأمثل للمشكلات السياسية في البيئات الأفريقية، ومحاولة استخدامها ورقةً لتمرير التدخل في شؤون دول القارة.