ثقافة

باروديا عن قراءة الكتب

كتب Pierre  Ménard كتابا ساخرا ومفارقا عن الكتب وقراءتها تحت عنوان: 20 سببا معقول للتوقف عن القراءة. ومنها:” أن تقرأ أمر خطير: مثل الحمض الكبريتي، يجب التعامل مع الكتب بنفس الحذر، ومن الأفضل عدم لمسها أبدا. إن أحد الأساليب السرية التي تنم عن الغدر التي توفق فيها أعضاء مؤامرة تعميم الكتاب أن التحذيرات التي عمموها حول الكحول والأدوية والتدخين وألصقوها على كل هذه المباهج البريئة، لم تمس أبدا ولم تطال الكتب. لذلك لن ترى أبدا : انتبه القراءة تؤدي إلى المخاطر: العزلة، تراكم الديون.. المرجو الاتصال بالرقم ….أو : الاستعمال المفرط للكتاب يضر بالصحة، استهلك باعتدال.. ومع ذلك فأنظر كم هم عدد الجرحى القراء الأبرياء كل سنة جراء تقليب صفحات الكتب الحقيرة… ليست هناك احصائيات رسمية عن هذه الآفات التي إذا لم تعد تسبب الغرغرينا فإنها تؤدي إلى تعفن وتسمم الدم.

ويتابع الكاتب هنا، بأنه هو نفسه تأذى بشدة منذ مدة قصيرة وهو يتصفح كتابا سيئا عن تاريخ الفن – تاريخ فن عصر النهضة الإيطالي، و”لمواساة نفسي أهديت هذا الكتاب المشين لأسوأ أعدائي، ومنذ ذلك الحين وأنا لم اسمع به أبدا.

بالطبع يمكن للمصابين بجنون الارتياب (البارانويا ) القراءة بالقفازات لحماية أنفسهم، تماما مثل الفرسان الذين يرتدون الدروع قبل القتال؛ إنهم يتجنبون الطاعون لإلقاء أنفسهم في أحضان الكوليرا. دعنا نقول : إن الحماية الفعالة الوحيدة ضد الكتب هي عدم الاقتراب منها أبدا. لأنك إذا لم تقطع مع الورق، فسوف تفقد بصرك بقدر ما أنت تقرأ. فهكذا أنا أصبحت قصير النظر. لو كنت أمريكيا، لكنت قاضيت الناشرين و”جرجرتهم” في المحاكم. وفي نفس الوقت، لو كنت أمريكيا، فلن اقرأ، ولن أضطر لمقاضاة الناشرين. اسمحوا لي عن هذا الاستطراد الشنيع المشوب بنزعة معاداة أمريكا من النوع السيء… “

أما مقدمة هذا الكتاب الممتع يعرض فيها : ” في 18 يوليوز من سنة 1925، نشر أدولف هتلر ” كفاحي “، وبعد 80 سنة أصدرت دار النشر (Grasset) “مديح القراءة“؛ لا يمكنني أن أتحمل طويلا، هذه الانتهاكات على كرامة الإنسان. نعم، إنني أجزم ضد العالم أجمع، بأن القراءة هي أكبر من خطأ فادح، هي جريمة. طبعا، أنا أعلم جيدا بأن نظريتي ستواجه الكثير من اللوبيات وتهدد بتحطيم الأصنام؛ لكنني على أتم الاستعداد للمخاطرة. فقول الحقيقة له ثمن. إن هذه المعركة تندرج في نفس الخط مع جاليليو (Galilée) ضد بيلارمين (Bellarmin)، مع فيكتور شلشر(VictorSchœlcher) ضد العبودية والرق، ومع العقل ضد الظلامية. حتى لو أنني لن أخرج من هذه المعركة سالما، على الأقل سأحاول أن أعمل على فتح العيون والأذهان.

لنحرر أنفسنا من هيمنة الكتب… هبوا بنا لنحرق المكتبات.

إنني أدرك بوجود قراءات مفيدة، مثل إرشادات الأدوية، وعلامات التشوير للسلامة الطرقية… لكن القراءات الأخرى كالروايات والمذكرات وكتب الخيال العلمي والدواوين الشعرية وكتب النقد والفلسفة … قيئ وغثيان

لنعمل من أجل عالم أفضل حيث الكتب مهمتها الوحيدة: سحق الحشرات ومسندا لأرجل الطاولات.

بإمكاني أن أجد في من سبقني من أسماء لامعة مشهورة عونا لي في خوض هذه المعركة الملحمية الهوميريةمثل البابا بيوس الرابع (PieIV) أو لويس الخامس عشر؛ فالأول وضع قائمة للكتب المحرمة المحظورة من التداول: أعمال جاليليو، باسكال، بلزاك،  وزولا والعديد من اللوحات التي هي في الحقيقة عبارة عن  خربشات غبية فاحشة.

أما الثاني، لم يتم إنصافه لما قام به، عندما وضع سنة 1757 مرسوما يقضي بإعدام أصحاب المكتبات وبائعي الكتب المتجولين والمفكرين أصحاب الكتب الذين يهاجمون الدين؛ لقد كان على هذا الملك الفاضل أن يوسع العقوبة لتشمل كل الكتابات، ولا تقتصر فقط على الكتابات المادية. حينها سيكون المجتمع في أفضل حال.

دعونا نستحضرونفتخر مرة أخرى بإنجازات  بطلنا المدعي العام ErnestPinard الذي عمل بجهد واستماتة في  حظر ديوان “أزهار الشر” ورواية “مدامبوفاري”  ..

ستتساءل أيها القارئ الذكي لماذا أسعى من خلال كتابة كتاب إلى تدمير الكتب ؟ !!!

لأنه: لا يفل الحديد إلا الحديد، فمن النبل مهاجمة الحديد بالحديد وليس بالنار، ولا بالطعن الجبان؛ إن هذه المبارزة الفريدة، واحد فقط يجب أن يخرج منها حيا سالما: القراءة أو أنا.”

بعد أن عرض كل الأسباب، خلص إلى: ” هل مازلتم ترغبون في المزيد من الأدلة على عدم جدوى القراءة ؟ ها هو هذا الكتاب الآن بين أيديكم كنار صغيرة تثير اهتمامكم، أخذ من وقتكم الشيء الكثير ولم تربحوا من وراء قراءته أي شيء. أما أنا، لماذا أكتب مثل هذا الكتاب وأقرأ عدة ساعات في النهار ؟ أفعل ذلك، لقتل الأب، لأحرر نفسي من عبودية القراءة، وأمنع الآخرين ليغرقوا في ظلمتها. فالقراءة مثلها مثل تناول الكحول والأفيون. إنها في نفس درجة خطورة هذه المواد. ينبغي الاقرار بأن القراءة إدمان، وأن تدخل ضمن المواد التي يحذر منها قانون  Evin  لحماية المستهلك والصحة العمومية. في البداية وبلا مبالاة مغرية نشعر بالنشوة، ثم نريد المزيد، ونعزل أنفسنا، فنسجن أنفسنا شيئا فشيئا في عالم مواز، عالم له رموزه وآلهته، عالم نختاره وفقا لرغباته: ها نحن مع لوس دي لاكلو صاحب العلاقات الخطيرة في منتصف القرن الثامن عشر، في رواية من المغامرات والمكائد، وبذلك لا ندرك أن الحياة الحقيقية ليست هي حياة البطل التي نعيشها معه من خلال القراءة هناك في السماء الأعلى، بل توجد في الأسفل على الأرض في الشارع. قد يكون البعض منكم محظوظا بما يكفي لأنه مبتدئ في قراءة الكتب، حاولوا أن تتمسكوا بالحكمة بابتعادكم عن الكتب. اقضواعليها قبل أن تقضي عليكم !أما بالنسبة لي، فقد فات الأوان.. اسمعوا نصائح مجنون يبلغ من العمر 21 سنة.

ترجمة عبد الكريم أوشاشا

 المرجع

 

20 BONNES RAISONS D’ARRÊTER DE LIRE

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى