الحدث

المغرب وطوفان الأقصى

 

عبد الإله إصباح

بادرت وزارة الخارجية بالمغرب إلى إصدار بيان بعد عملية طوفان الأقصى التي نفذتها المقاومة الفلسطينية يوم السبت 7 أكتوبر، تدين فيه قتل المدنيين من كلا الطرفين، وكأن الأمر يتعلق بحرب بين دولتين مستقلتين وليس شعبا يواجه احتلالا غاشما ما فتئ يمارس التقتيل اليومي في حق هذا الشعب و يصادر الأراضي و يفجر البيوت على اصحابها، ويواصل سياسة الفصل العنصري دون رادع أو تنديد مما يسمى بالمجتمع الدولي.

إن الدولة بالمغرب وهي تسمح بصدور ذلك البيان، تضع نفسها في مواجهة رأي عام مغربي مساند كليا للشعب الفلسطيني، ولا يقبل أن تتم المساواة بين كيان صهيوني غاصب محتل وبين شعب ظل يناضل من أجل حريته واستقلاله وبناء دولته المستقلة. ان الدولة وجدت نفسها بعد التورط في التطبيع مقيدة بمقتضيات هذا التوجه الذي يجبرها على أن تكون معتدلة في موقفها اتجاه الكيان الصهيوني، أو على الأقل غير معادية له في مواقفها من سياسته العدوانية. ولا شك أن البيان الأخير يصب في هذا المنحى بما أنه لا يدين الكيان الصهيوني من جراء جرائمه المتواصلة  واستهدافه الهمجي  للمدنيين بالقنابل الفسفورية وغيرها من الأسلحة الفتاكة. وقد تبرر الدولة  هذا التوجه بنزوع براغماتي يتوخى استجلاب رضى الدول الغربية و السعي إلى الحصول على دعمها في ملف الصحراء المغربية.

غير أن هذا النزوع البراغماتي لا يأخذ بعين الاعتبار أن الدول الكبرى وخاصة أمريكا لا يمكن ان تدفع باتجاه حل نهائي لهذا الملف يكون في صالح المغرب كليا، لأن مصلحتها تقتضي الإبقاء عليه بدون حل لكي تجعل منه أداة للابتزاز والضغط على طرفي النزاع حفاظا على مصالحها وتكريسا لهيمنتها، ومن تم يكون التطبيع نوعا من الخضوع لهذا الابتزاز دون الحصول على اعتراف نهائي وأكيد بمغربية الصحراء، اعتراف يتم بتغيير طبيعة الملف بمجلس الأمن  واستصدار قرار من طرفه يعترف صراحة بسيادة المغرب على الصحراء  بجلاء ووضوح.

 الدولة إذن غامرت بخطوة التطبيع دون  أن تنهي نزاعا ظل ينهكها منذ عقود، وهي الآن تعاكس وجدانا شعبيا محتضنا للقضية الفلسطينية، وبدل أن يكون طوفان الأقصى مناسبة للتصالح مع هذا الوجدان، تختار الدولة  في بيان وزارة الخارجية موقفا هو في  المحصلة النهائية في صالح الكيان الصهيوني بما أنه لا يتضمن إدانة صريحة  لجرائمه ومجازوه في جق الشعب الفلسطيني

إن بيان الوزارة يتجاهل حقيقة أن المستوطنين لا يمكن اعتبارهم مدنيين بما أنهم أداة لمزيد من التوسع الصهيوني في الأراضي الفلسطينية. إن اجترار مقولة المدنيين هو رجع صدى للدعاية الصهيونية التي تتوخى التضليل وتزييف الوقائع للتغطية على جرائم مصادرة الأراضي الفلسطينية وتحويلها إلى مستوطنات تضم عتاة المتطرفين الصهاينة العنصريين بهدف الاجتثاث النهائي لأي تواجد فلسطيني  على أرض فلسطين.

 كان على الوزارة أن تؤكد في البيان أن استمرار الاحتلال هو أصل المشكل ولا حل بدون إنهائه و ما يحدث الآن ما هو إلا من تداعيات استمراره. وقد حاولت الوزارة تدارك ذلك في كلمة وزير الخارجية في اجتماع وزراء الخارجية العرب عندما أشار إلى انسداد الحل السياسي دون أن يحمل للكيان الصهيوني مسؤولية هذا الانسداد. الأصل إذن في المشكل هو استمرار الاحتلال، ومقاومته بكل الطرق حق مشروع للشعب الفلسطيني، و طوفان الأقصى تطور نوعي في هذه المقاومة أبهر أحرار العالم وأسقط أسطورة الجيش الذي لا يقهر فأحس الكيان الصهيوني و حليفه الغرب بذل عارم وجرح عميق في كبريائه، فقرر الانتقام بتقتيل المدنيين وتشريدهم و إرغامهم على التهجير. لقد تبين للشعب الفلسطيني أن ما أخد بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، وأن التعويل على ضمير الغرب ما هو إلا وهم وجري وراء السراب لأن الصهيونية اصبحت عقيدة راسخة لدى هذا الغرب، ومكون أساسي من مكونات هويته و وجدانه وبنائه النفسي، ومادام الأمر كذلك، فهو سيكون دوما وأبدا مصطفا  وراء كيانه المصطنع مهما كان هول ما يمارسه من تقتيل وما يرتكبه من مجازر وجرائم الحرب في حق الشعب الفلسطيني وشعوب المنطقة.

وبالعودة إلى بيان وزارة الخارجية بالمغرب، يمكن القول بأن هذا البيان، إن كان قد أرضى الدوائر الغربية والصهيونية، فإنه في المقابل استقبل  برفض واستهجان من قبل شريحة واسعة من الرأي العام ومن قبل القوى التقدمية والديمقراطية والقوى الإسلامية، لأن القضية الفلسطينية ستظل بالنسبة للشعب المغربي قضية وطنية راسخة في وجدانه وعمق مشاعره.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى