المغرب والأمن المائي…سنوات طويلة من الخطأ
عبد الإله إ صباح
مع توالي موجات الجفاف لعدة مواسم، أصبح مشكل الماء يطرح بحدة من قبل الخبراء الذين دقوا ناقوس الخطر، لأن معضلة الجفاف لم تعد تهدد فقط موسما فلاحيا واحدا أو اثنين، وإنما اصبح الخطر يطال أمن المغرب الغذائي والمائي. ويبدو أن الدولة استشعرت بدورها هذا الخطر المحدق فسارعت إلى تكوين لجان وعقد اجتماعات واتخاد مجموعة من الإجراءات والتدابير التي من شأنها حسب العديد من المتدخلين أن تخفف من حدة الأزمة وتبعد إلى حين شبح أزمة خانقة تهدد بالعطش ساكنة المغرب.
وما تجدر الإشارة إليه هو أن المغرب بخلاف العديد من الدول، يحظى بموارد مائية لا ينافسه أو يزاحمه فيها أحد من جيرانه سواء من الشرق أو الشمال أو الجنوب ،وهذا وضع يكفل له تدبير سياسته المائية بعيدا عن أي ضغوط أو اعتبارات تقيد سياسته في هذا المجال. لقد كانت سياسة السدود أحد اوجه تدبير الثروة المائية بما يتيح الحفاظ عليها واستثمارها في المجال الفلاحي، حتى وإن كان يغلب على نهجه الفلاحي الاتجاه إلى الفلاحة التصديرية بدل التخطيط لتأمين الأمن الغذائي من خلال العمل على الزيادة في محصول الحبوب ووضع حد للتبعية الغذائية التي تؤثر سلبيا على ميزانه التجاري وتغرق اقتصاده في الديون الخارجية.
لا شك أن التعاطي بجدية ومسؤولية مع هذا الواقع المقلق يتطلب من الدولة مراجعة سياستها في مجال تدبير هذه الثروة الحيوية
إن معضلة الماء التي اصبح يعاني منها المغرب لا ترتبط فقط بالعامل المناخي، وإنما تعود أحد أسبابها إلى سوء تدبير ثروته المائية، ويتضح ذلك في أن الدولة اختارت الاستثمار في منتوجات فلاحية تتسم باستنزافها للمخزون المائي وللفرشة المائية ،وهي هنا بهذه السياسة تلبي مطالب بورجوازية فلاحية لا تفكر إلا في مراكمة الأرباح على حساب الأمن المائي للمغاربة، لأن هذه البورجوازية مرتبطة عضويا بالسوق الخارجي ولا يهمها سوى تلبية مطالبه من منتوجات عملت دول هذا السوق على التقليل منها وأحيانا منع بعضها حفاظا على مواردها المائية بمجالها الجغرافي.
كما أن السياسة الغابوية للدولة عملت على مفاقمة مشكل الماء، فتدهور المجال الغابوي بسبب القطع المتواصل للأشجار أدى إلى تقلص المساحات الخضراء و دمر التربة الصالحة للزراعة، و ساهم في التغير المناخي الذي بدأ المغرب يعاني من تبعاته من خلال مواسم جفاف متتاليةونذرة التساقطات سواء كانت أمطارا أو ثلوجا.
و لم يعد خافيا أن برنامج المغرب الأخضر هو أحد العوامل الرئيسية التي ضاعفت من استنزاف الفرشة المائية، لأن اختياراته مرتبطة اكثر بالأسواق الخارجية، وهذا يعني مزيد من الاستثمار لتلبية حاجيات هذه الأسواق من المنتوجات التي تستهلك مياه أكثر وتضاعف من حدة المشكل ومن خطورة الوضع
يضاف إلى هذه العوامل مشكل التوسع الحضري الذي تم على حساب مساحات واسعة من الغطاء النباتي، وهو توسع حصل لصالح بورجوازية عقارية وجهت حصريا كل استثماراتها إلى مجال العقار باعتباره مجالا مضمون الأرباح وبعيد عن مخاطر أي خسارة أو مغامرة غير محسوبة العواقب
ولا شك أن التعاطي بجدية ومسؤولية مع هذا الواقع المقلق يتطلب من الدولة مراجعة سياستها في مجال تدبير هذه الثروة الحيوية، وذلك بالقطع مع توجه اقتصادي ينصب اهتمامه على تلبية مطالب ومصالح شريحة بورجوازية لا يهمها من الوطن سوى ما تجنيه على حساب أبنائه من أرباح وما تراكمه من ثروات، ضاربة عرض الحائط أمنه الغذائي والمائي ومعرضة استقراره لشتى الأهوال والمخاطر
إن أي سياسة تنموية لا تأخذ بعين الاعتبار الحفاظ على الثروة المائية، هي سياسة مصيرها الفشل، لأنها ترهن مصير الوطن واقتصاده لمزيد من التبعية والخضوع للدوائر الامبريالية وفقدان استقلاله الاقتصادي والسياسي