وطني

المدرسة باعتبارها رحم الصراع الطبقي: عن حراك الأساتذة وإسقاطاته الاجتماعية و السياسية

حسن أوزال

إن حركة الاحتجاجات التي يقودها رجال ونساء التربية بالمغرب مؤخرا هي ما يشهد على مدى راهنية سلسلة من المفاهيم السوسيولوجية و نجاعتها.ولعل أهمها و الحالة هاته إنما هو على التوالي مفهوم الصراع الطبقي و مفهوم التفقير.

و إذا كان من غير المعقول التطرق لهذه الظاهرة الاحتجاجية دون استحضار هذين المفهومين فذلك ليس إلا لأن الحراك الحالي يكاد يعكس بشكل قاطع على أن المدرسة هي بالفعل معقل قيام اللامساواة الاجتماعية إن لم نقل انها بالأحرى رحم ولادة التفاوتات الطبقية كما نبه الى ذلك عالم الاجتماع الفرنسي بيبر بورديو منذ ستينيات القرن الماضي. فبعد توكيده على أن المدرسة بحسبه تلعب ثلاثة أدوار أساسية هي كالتالي : دور التكوين و دور الانتقاء و التمييز ثم دور إسناذ مهمة حاسمة بموجبها يتحدد مصير كل فرد على حدة.

يمضي بورديو مقتفيا أثر منهج تحليلي دقيق نحو التعرية عن تلك الألاعيب و الدسائس المحبكة والتي تعتمد عليها هذه الأداة العظمى التي هي المدرسة حفاظا أساسا على التراتبيات الطبقية مادام أن جهاز التعليم هو ما يصلح دوما لتبرير التفاوتات الاجتماعية بالتعامل معها كما لو كانت مساواة قبل أن يدفع بالجميع الى النظر الى نجاح البعض و اخفاق غيره كما لو كان فقط نتاج تباين في الخصال الفردية و الطبيعية باعتبارها حصيلة منطقية لتفوق في الموهبة و مجرد استحقاق شخصي ليس إلا .

في خضم هذا الصراع الخفي و الظاهر إذن انبثقت نزعة الخوصصة في قطاع التعليم حد بزوغ رغبة عارمة لدى أصحاب القرار تروم الإجهاز على التعليم العمومي برمته،بدءا بإضفاء الحضوة على بعض من مؤسساته باعتبارها مؤسسات الريادة.

لعل ما يرمي بورديو الى تسليط الضوء عليه هنا إنما هو ما يدعوه بالرأسمال الثقافي le capital culturel الذي يلعب دورا حاسما في تحديد المسار الدراسي للتلاميذ بشكل يكاد يتجاوز فيه كليا تأثير الرأسمال الاقتصاديle capital économique.ذلك أن أصول التلميذ العائلية بقدرما تكون فقيرة بقدرما يكون رأسماله الثقافي ضعيفا على نحو يؤثر فيه سلبا على مساره الدراسي الذي بموجب ذلك لا يمكنه إلا أن يكون قصير المدى .من ثمة يغدو من الصعب اذن القول بحيادية المدرسة خاصة و انها و الحالة هاته تعمل ضمنيا كجهاز على تأهيل الاكثر حضوة في ذات اللحظة التي تعمل فيها أيضا على إعاقة المهمشين و قهقرة الفقراء.

التفاوتات الاجتماعية ليست كما قد يظن عامة الناس ،مجرد تفاوتات حاصلة بالصدفة أكثر مما هي نتاج ظواهر بنيوية و داخلية تعتمل أتوماتيكيا صيانة للعلاقة القائمة بين الترتيب المدرسي le classement scolaire و الترتيب الاجتماعي le classement social.

بناء عليه فالمدرسة كمؤسسة اجتماعية تكاد لا تبالي بالتفاوتات الاجتماعية بالرغم من كونها الحاسمة ليس فحسب في طول أو قصر المسارات الدراسية بل أيضا في الافاق المحتملة للنجاح. هكذا تبدو المبادئ التي تتبجح بها المدرسة ،مبادئ شكلية تنهض على خطاب ايديولوجي تبريري للنظام التعليمي ذاته و بالتالي للنظام الاجتماعي الذي تخذمه بامتياز .أما التفاوتات الاجتماعية فهي ليست كما قد يظن عامة الناس ،مجرد تفاوتات حاصلة بالصدفة أكثر مما هي نتاج ظواهر بنيوية و داخلية تعتمل أتوماتيكيا صيانة للعلاقة القائمة بين الترتيب المدرسي le classement scolaire و الترتيب الاجتماعي le classement social.

في خضم هذا الصراع الخفي و الظاهر إذن انبثقت نزعة الخوصصة في قطاع التعليم حد بزوغ رغبة عارمة لدى أصحاب القرار تروم الإجهاز على التعليم العمومي برمته،بدءا بإضفاء الحضوة على بعض من مؤسساته باعتبارها مؤسسات الريادة،المنوط بها أن تكفل نشر روح مقاولاتية محضة ستعم ككفاءة أساسية compétence de base كل الأسلاك انطلاقا من الابتدائي حتى الجامعي .

و لعل هذه النزعة المقاولاتية التي صارت بين عشية و ضحاها أم الكفايات المنشودة في النظام التعليمي هي ما يضعنا اليوم أمام إشكال عويص لا يكشف عن مدى ارتهان التربية بالسوق فحسب بل يكشف أيضا عن مدى ارتباطها بصراع طبقي مرير يقوده الأغنياء ضد الفقراء رغبة منهم في بيع المدرسة و خوصصة القطاع العمومي بشكل يخذم اجنداتهم التجارية.

و من ثمة أحقية تساؤلنا عن فحوى طبيعة النضالات التي يخوضها اليوم رجال و نساء التعليم باعتبارها نضالات لا تخلو عما أوردناه سلفا من صراع طبقي جلي بين الأغنياء من جهة و الفقراء من جهة أخرى .صراع بموجبه غدا الاغنياء يزدادون غنى و يقلون عددا يوما عن يوم في ذات الوقت الذي مافتئ فيه الفقراء يزدادون فقرا و يتضاعفون عددا. كل ذلك انسجاما بطبيعة الحال مع دينامية اشتغال آلة التفقير الحربية التي تستغل كدح المأجورين و قواهم لمراكمة ثروة يستفرد بها الباطرونا و رجال الاعمال ليشكلوا طبقة نقيضة لطبقة المعوزين و عموم العمال.الظاهر اذن أن معركة رجال التعليم معركة طبقية بامتياز لا لشيء إلا لأن مطالبهم تكاد لا تختلف في شيء عن مطالب المأجورين و العمال الذين يعانون البؤس و العوز جراء سيادة منطق الجبايات و قانون الضرائب والرسوم الذي ينهك جيوبهم دون غيرهم من الاثرياء .و إذا كان قانون السوق كشعار لليبرالية هو ما يشتغل كالة لخلق المزيد من الفوارق الطبقية بشكل التبست فيه المفاهيم السياسية ذاتها من قبيل مفهوم الحرية و المساواة فذلك لا لشيء إلا لأن ما تنطوي عليه هذه المفاهيم من معاني حقيقية أبعد ما تكون عما أريد لها ان تعنيه و تفيده.ذلك أن الحرية بقدرما تعني في السياق الليبرالي الجديد حرية الاغنياء في كسب المزيد من المال و العيش كما يحلو لهم كأثرياء بقدرما تعني بالنسبة للفقراء أنهم أحرار في فقرهم و بؤسهم ليس الا .و بموجبه أيضا تكاد المساواة لا تحيد في شيء عن هذا التأويل بحيث أنها في نطاق الاغنياء تعني المساواة الحاصلة فيما بينهم كأغنياء ليس إلا خلافا للمساواة في نطاق الفقراء و التي تفيد انهم على قدم و ساق إزاء بعضهم البعض سواء في البؤس أو العوز .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى