الفيلسوف عبد العزيز بومسهولي: التفلسف فكر راقص، والرقص تفلسف بالجسد
عبد العزيز بومسهولي/ فيلسوف مغربي
ثمة علاقة وطيدة بين الفلسفة من جهة تعبيرها عن الفكر أو عن الروح، وبين الرقص من جهة تعبيره عن الجسد، من غير أن يعني هذا أن ثمة فصلا بين الفكر والجسد، وكأنهما كيانان منفصلان بذاتيهما، أو أن أحدهما يسمو على الآخر، فلا الروح تسمو على الجسد، ولا هي سابقة عليه، ولا الجسد يسمو على الروح أو هو سابق عليه، كلاهما وجهان للشيء ذاته، أي لهذا الكيان المسمى كيان هذا الإنسان أو ذاك، والذي ينكشف ككينونة لا تقبل المفاضلة كما لا تقبل الفصل على الإطلاق. إذا فهمنا هذا يمكن أن نقول أن الفكر والجسد هما وجها الكينونة، من حيث هي انكشاف لجسد يفكر، وفكر يتجسد. من غير جسد لا فكر ينكشف كتعبير عن نمط الوجود الحي، ومن غير فكر لا جسد يظهركتعبير عن الإحساس بالوجود؛ هذا من جهة أولى، ومن جهة ثانية فكل من الرقص والفلسفة لا يظهران إلا في الأخير.
تظهر الفلسفة بعد اكتمال الواقع، كما يقول هيجل، في تلك الاستعارة البليغة التي شبه فيها الفلسفة ببومة المنيرفا التي لا تنطلق محلقة إلا بعد أن يرخي الليل سدوله، أي بعد أن تكتمل المعرفة وتبلغ أسمى درجات فهم واقع الوجود، حيث ينطلق الفكر في الفضاء الحر للكينونة راقصا، منتشيا بغبطة الوجود، وعلى إيقاع حركة مزدوجة، حركة متناهي الجسد ولامتناهي الكون، إذ ينكشف التفلسف كابتكار للوجود ثانية، وكتجربة راقصة، أو كحركة احتفاء خلاقة فائقة العيش، تنكشف فيها الحياة كأسلوب راقص، أو كفن عيش جدير بالكينونة.
كما أن الرقص بدوره لا يظهر إلا في الأخير، بعد اكتمال الواقع أيضا، أي بعد أن يبلغ الكائن أقصى كمالات التعبير عن الكينونة، إذ إنه لا يظهر إلا بعد اكتمال فنون العيش جميعها، بوصفه ذلك الفن الفائق، الذي ينشأ في وبحركة فريدة للإنتشاء، أي في صلب حركة الغبطة من حيث هي بلوغ فرح أعظم. لذلك كان الرقص تفلسفا بالجسد، كونه ليس مجرد تعبير عن معرفة مرحة كما عبر نتشه، بل لأنه أيضا تأويل للجسد على نحو غير مسبوق، في الرقص لا نسعى إلى مجرد حركة تنسجم مع الإيقاعات الموسيقية، وتنفعل بالأنغام الطربية، وتنبهر بالموجات الضوئية، بل نسعى أيضا إلى محاولة بلوغ أعظم انتشاء بانكشاف الوجود في ذواتنا، وذلكم هو التأويل المقصود، كتعبير عن تفلسف بالجسد من أجل حياة جديرة بالغبطة، ومن أجل كينونة جديرة بالاحتفاء.
بومسهولي