الرأي

الفيلسوف حسن حماد لضحايا المغرب و ليبيا: ما أجمل الأوهام وما أتعس الإنسان

نحن رمية النرد العشوائية ، أبناء الصدفة العمياء لاندري لم ولدنا ولم نموت. الطلاسم تحيط بكل التفاصيل و تحاصرنا من كل جانب وفي كل لحظة.
لا أدري ماذا أقول عما يحدث لأشقائنا في المغرب وليبيا . لن تجدي الكلمات الساقطة المستهلكة المبتذلة ، التي عادة مانتبادلها في الأزمات، لن تجدي كلمات التعازي والمواساة، فالحدث أكبر من كل الكلمات وأصعب من كل المعاني .
من أين نأتي بكلمات تصف كل هذا الخوف والهلع والمعاناة الذي يعانيه الأطفال والنساء والشيوخ والأبرياء كل جريمتهم أنهم جاءوا لهذه الحياة . كيف يمكن للمرء أن يشعر حينما يفتقد المأوي والأمان والأهل والاصدقاء ، حينما تضيع الأماني ويجرف اليأس كل الآمال والأحلام ، وتصبح مفردات الطبيعة : البحر ، السماء ، الأفق الأزرق ، الرمال الناعمة ، البيوت الدافئة ، الجدران التي تحمينا ، ممتلكاتنا التي كنا نقتنيها….كل شئ وأي شئ يستحيل بين لحظة وأخري إلي وحوش مفترسة تغتال ضحكاتنا وتنتزع من بين صدورنا لحظة الإحساس بالأمان والطمأنينة والسلام.
ما أصعب أن تتطاير الأحلام في الهواء مثل غبار الدخان! لا أملك لكل هؤلاء الذين ذهبوا ضحية هذا الموت المجاني سوي أن أقول: طوبي لكم أخوتي في الإنسانية كلنا قد نلاقي نفس المصير، كلنا يمكن في لحظة أن نعاني ما عانيتموه . طوبي لكم يامن تجرعتم مرارة الفجيعة ، يامن دفعتم ثمن المأساة ، مأساة الوجود في هذا العالم التعيس البئيس . كلنا ضحايا بلا خطية ، وكلنا مدانون بلا قضية ، وكلنا مذلون مهانون وموثوقون بقيود حديدية نتوهم أنها دليل إنسانيتنا وثقافتنا الإنسانينة الراقية.
أيها الأصدقاء يامن نجوتم من الزلزال والطوفان والبركان لاتبتسموا، ولا تظنوا أنكم تنعمون بالطمأنية، وأنكم بعيدون عن فوهة الجحيم .نحن جميعا في الطابور ننتظر أدوارنا ، لايغرنكم ماتنعمون به من وهم أو سراب ، إمكانية العدم قائمة وحاضرة في كل لحظة وفي كل حين.
تذكروا دائما أن العبث هو المعني الذي يرتسم دائما وأبدا علي جبين البشرية ، تذكروا أن العدم يحاصرنا ويحاصر المخلوقات جميعا بدءا من ديدان الأرض حتي هذا الكائن الذي تطور من مرحلة الأميبا ليصبح هذا الضفدع المفكر !
أعلم أن كلماتي بلا جدوي وبلا صدي وأن الخوف سيزيدكم تشبثا بكراسيكم الوثيرة والمثيرة . أعلم إنكم لن تفكروا أبدا في كلماتي وستفكرون كما كنتم دوما في المستقبل بنفس راضية مسترخية ومستريحة وستظنون أن الحياة ستظل تمضي في صورتها المعهودةدون تغيير.
ما أجمل الأوهام وما أتعس الإنسان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى