الفيلسوف حسن أوزال بجامعة محمد السادس متعددة التقنيات ببن جرير: السعادة مسألة اختيار فردي محض
لوسات أنفو
أكد الفيلسوف المغربي حسن أوزال في المحاضرة التي ألقاها بجامعة محمد السادس متعددة التخصصات ببن جرير يوم الجمعة 31 ماي 2014، في إطار أشغال مؤتمر ” الدراسات الثقافية المغربية ” المنظم من قبل مركز الدراسات الإفريقية تحت إشراف البروفيسور علي بن مخاوف والبروفيسور طارق صبري من وسمنستر بلندن، أن التساؤل عن الإنسان باعتباره فردا، هو تساؤل يخص أساسا أنطولوجيته الجمالية لا غير. إذ لا يتعلق الأمر و الحالة هاته بالتساؤل عن الإنسان من حيث هو فرد ولا بالتماس تعريف ممكن له من خلال الفردانية أكثر ما يتعلق بالكشف عن ذلك البعد الذي يبدو فيه الإنسان نمطا من أنماط التجلي لاختبار قدراته في الوجود.
وقال الفيلسوف المغربي في محاضرته التي حملت عنوان ” الأسس العملية لقيام الفلسفة كنمط عيش” : ” إننا أنماط وجود تنهض على ما تستطيعه أكثر مما تنهض على شيء آخر. لكن هذا التأسيس لن نستوعبه إلا إذا استحضرنا مدى ارتباطه باستعارة قديمة هي استعارة « نحت الذات « التي سبق أن وظفها أفلوطين في «التاسوعات« على شكل نداء موجَّه لكل واحد على حدة حتى يغدو ناحتا لتمثاله الخاص .”
و أضاف حسن أوزال في السياق ذاته أن الكائن إن كان يأتي أوّلا إلى العالم فارغا و بلا قوام (مجرد مادة هلامية خام ) فهو لا يضحى على ما هو عليه ، جراء تقاطع أفعاله بأفعال الغير ، إلا فيما بعد. و هذا ما يجد ترجمته الوفية في العبارة المعاصرة القائلة بأن «الوجود يسبق الماهية « .أي أن كل إنسان إنما هو بتعبير آخر ،مسؤول عن كينونته و مآله . مؤكدا أن الحيز الأنطولوجي رديف لما نروم نحته طيلة مسارنا إما باعتباره أنا أو ذاتا، و إما باعتباره واقعة فردية أو كائنا نجما يسلك بأسلوبه الخاص مسلكا غير مسبوق .
وتساءل حسن أوزال ما الحيز الأنطولوجي المنفسح أمام كل إنسان باعتباره قدرات لا متناهية لاختبار فردانيته ؟ بل و ما الحدود الممكنة لجعل حياته نمطا من أنماط تجليه كلوحة فنية منفردة بذاتها؟ مسجلا أن أمام كل واحد منا وبدون استثناء إمكانية للعيش و فسحة للوجود ،لكن المعضلة في علاقتنا بهذه «الفسحة – الحيز » تتجلى أول ما تتجلى في كون كل منا بقدرما لا يتمتع بنفس القدرات و الكفاءة الكفيلة بمساعدته على بلورة حيزه كما يجب و تطوير فجوة كيانه كما ينبغي بقدرما لا يفلح في نحت صخرته كما يتطلب الأمر.
و أكد أن السر في ذلك يرجع إلى مسألة مؤداها أن ما يدعوه بالحيز الأنطولوجي ليس هو ما يميز الإنسان عن الحيوان فحسب بل هو ما يميز كل إنسان عن آخر سيما و أننا ننقاد وفق طاقة خلاقة هي ما به يتحدّد كل إنسان على حدة و يستطيع أن يستمر في الوجود؛ طاقة يسميها سبينوزا بالـ »كوناتوس» و يطلق عليها نتشه عبارة إرادة القوة ، و يدعوها جان ماري غيو بـ « Nisus » .
وتساءل الفيلسوف حسن أوزال “هل يمكن للفيلسوف أن يعطينا صيغة محددة لبلوغ السعادة من حيث هي غاية كل فعل تفلسف حقيقي؟ وهل بوسعنا أن نعول عليه نشدانا لحياة أفضل ؟” ليجيب ” أبدا ،وذلك على الأقل لسببين إثنين . الأول ذاتي يتوقف أساسا على كون السعادة مسألة اختيار فردي محض و تتطلب القيام بمجهود جبار و ضروري لبناء حياة أفضل . أما الثاني فيتصل بالفلسفة عينها باعتبارها نشاطا يهم الحياة بأكملها أكثر منه مجرد تمرين بلاغي .ذلك أن الفلسفة بدل أن تكون عبارة عن دروس تلقن و تعاليم تحفظ فهي كما أوضحنا في أكثر من مقام و مقال ،عملية نحت للذات شاقة تتطلب خوض غمار تجارب وجودية مريرة يحقق فيها المرء طفرة ما ،بعد اجتيازه لما يحلو لنا أن نسميه بـ تجربة الأزمة..”
و اشار إلى أن السعادة في نظره، لابد أن تكون في جزء منها مرتبطة بنظام الوجود في انتظار ما يتممها من حيث هي في جزئها الثاني متصلة بنظام الفكر. ذلك أن السعادة بقدرما تتوقف في شقها الأول على تحقيق الإنتقال من منطق الحاجة (الرغبة البوهيمية الخالية من كل وعي ) إلى منطق الرغبة المكتفية بذاتها بقدرما تتوقف في شقها الثاني على المنظورية من حيث كونها ما يجعل الرغبة على وعي تام بإشباعها عبر التحول من حرية أدنى إلى حرية أرقى . ليؤكد على أن السعادة في مجملها تنهض على ثلاثة ركائز هي التجربة و الإختيار و المجهود .
و شارك في هذا المؤتمر عدد من المختصين في الدراسات الثقافية المغربية و الفلاسفة كسعيد الرداد ومحمد الزرورة و مريم الهيتمي و مولاي ادريس معروف وادريس كسيكس و سعاد الدوادة و جمال باحماد و سعيد كريويد و مريم لوكريني و علي بن مخلوف و طارق صبري و حسن أوزال و عبد الصمد الكباص.