الحوار

الفنانة التشكيلية أمل بنبريك: الفن لغة الشعب في الأرض ولغة القلب

هدفي أن أجعل كل من يرى لوحاتي يحس بنوع من الراحة

لوسات أنفو: إلياس أبوالرجاء

أمل بنبريك فنانة تشكيلية مغربية، ولدت بفرنسا وواصلت دراستها بفرنسا، لم تدرس الرسم لكنها مارسته. تعشق الألوان والطبيعة، حيث أن الإضاءة والطبيعة عنصران أساسيان لا محيد عنهما في أعمال أمل. تعرض حاليا لوحاتها بالرواق الفني لرياض Jaal كفنانة مقيمة. في هذا الحوار الذي أجريناه بين لوحات أمل بمعرضها الفني، تحدثنا  عن علاقتها بالرسم والسوق الفنية بالمغرب.

بداية، هل لك أن تقربينا قليلا من نفسك، وكيف بدأت رحلتك في عالم الفنون التشكيلية؟

أمل بنبريك، ولدت بمراكش وعشت بفرنسا وأنا صغيرة، عدت مرة أخرى إلى المغرب ثم إلى فرنسا مجددا، أي أنني كثيرة التنقل. تخرجت من كلية الصيدلة والبيولوجيا ثم من مدرسة الهندسة الصحية بفرنسا. ولطالما أحسست أن دوري هو الحفاظ على ذلك الرابط مع بلادي المغرب. لم تسعفني الظروف أن أدرس تخصص الفنون التشكيلية، حيث إنني بعد حصولي على الباكالوريا بالمغرب اخترت تخصص البيطرة والهندسة الفلاحية، إلا أنني كنت وحيدة هناك دون صديقاتي فغيرت رأيي واتجهت للدراسة في فرنسا.

كنت مهووسة بالرسم منذ الصغر، لدرجة أنني عندما كنت صغيرة ونكون ملزمين بأداء واجباتنا المدرسية كنت أرسم بدلا من أداء واجباتي حسب ما حكته لي والدتي. حتى عندما اشتغلت في إحدى شركات مستحضرات التجميل، كنت أقوم بتشكيل لوحات عن طريق الأصبغة المتبقية، والآن فقط أدركت كم كان الرسم مهما بالنسبة إلي. بعد ذلك التحقت بالدروس الليلية للمدرسة التشكيلية بفرنسا، حيث كنت أذهب لتلقي الدروس ليلا بالرغم من برودة الطقس وتعب العمل والاهتمام بالأطفال، لحد الآن لا أعلم السبب الذي كان يدفعني لفعل ذلك، إلا أنني كنت متشبثة دائما بالفن لأنه يخفف عني الضغط ويفتح لي مجالات تواصل مختلفة، فلم أكن أفوت أي فرصة لممارسة ما أحب.

كيف التحقت برياض Jaal كفنانة مقيمة هنا؟

لدي صديقات كثيرات بمراكش بقيت معهن على تواصل، يقمن بأعمال اجتماعية في أوقات فراغهن. أخبرتهم ذات مرة أن أمنيتي هي أن أرسم في بلادي، فكانت إجابتهم أنهن سيعملن ما في وسعهن لتحقيق ذلك. عندما اتصلت بمؤسسة Jaal، قاموا باجتماعات لدراسة أعمالي ووافقوا عليها. عندما أتيت إلى هذا المكان كنت أرسم منذ الصباح وحتى الليل، لأنني أطمح مستقبلا أن أجعل من الرسم مهنتي.

كيف تستطيعين التوفيق بين مهنتك وبين الفن خاصة أن مجال عملك يبدو بعيدا عن الفن؟

في الحقيقة ليس بعيدا جدا، لأنني كنت أقوم بتحضير المواد التجميلية في عملي، لذا فقد كنت مرتبطة بالألوان مسبقا، خصوصا أن جدتي كانت تشتغل في الخياطة وكانت مهووسة بتنسيق الألوان، لدرجة أنك إن ذهبت إليها بملابس غير متناسقة ستطلب منك تنسيق ألوان ملابسك أولا ثم العودة. مهنتي ودراستي ساعداني كثيرا، لأنني تعلمت الانضباط وعدم الاستسلام رغم الفشل وهو ما يجب استحضاره أثناء الرسم، الفرق الوحيد هو أنني أحس بضغط أقل أثناء الرسم.

عشت بين ثقافتين مختلفتين، ثقافة مغربية وأخرى فرنسية. كيف كان تأثير هذا التنوع في أعمالك؟

الثقافتين معا ساعداني، في المغرب ندرس باللغتين العربية والفرنسية معا، وبالتالي لم تكن اللغة غريبة علي، وكذلك التجارب التي عشتها هنا بالمغرب ساعدتني كثيرا في فرنسا، لدرجة أنني في العمل كنت متفوقة على الفرنسيين في القيام بمجموعة من الأشياء. وبالمقابل هم أيضا ساعدوني في مجموعة من الأشياء كالانفتاح على الفن الذي لم يكن بتلك الدرجة في الوسط الذي عشت فيه بالمغرب.

لاحظت أن الهوية البصرية للوحات المعروضة بعيدة بعض الشيء عن المغرب، هل هذا لأنك تأثرت بالوسط الفرنسي أكثر؟

لا أتفق معك، لأن هذه اللوحات مستوحاة مما كنت أراه في مراكش عندما كنت طفلة، حيث كنت أتردد على مجموعة من الحدائق بمراكش رفقة جدي المولوع بالورود، وبالتالي فالألوان الموضوعة على لوحاتي هي ألوان صادفتها في مراكش ونواحيها في مختلف فترات حياتي. اخترت كذلك أن تكون لوحاتي مضيئة لأننا نعيش في عالم مليء بالمآسي والحروب، وهدفي هو أن أجعل من يستكشف لوحاتي ينسى تلك المشاكل ولو لخمس دقائق.

الفنانة التشكيلية أمل بنبريك رفقة محاورها إلياس أبوالرجاء

بالإضافة إلى ما ذكرته، ما هي الأشياء الأخرى التي تلهمك لرسم مثل هذه اللوحات؟

أولا الطبيعة، لأنني تخصصت في البيولوجيا وكنا مجبرين على دراسة علم النبات، ثم الحدائق خصوصا، لدرجة أن لدي حدائق متخيلة في ذهني أستطيع رسمها، وهدفي أن أجعل كل من يرى لوحاتي يحس بنوع من الراحة.

إذا طلبنا منك وصف طريقة رسمك، هل هناك رموز أو عناصر معينة حاضرة بشكل مستمر في لوحاتك؟

الإضاءة والألوان هما الحاضران دائما تقريبا، واللون بالنسبة لي لا يكون فعالا إلا بوجود لون آخر يوضحه.

لاحظت أن تقنية الرسم في بعض اللوحات مختلفة عن الباقي، كيف يمكن أن تصفي لنا هذا الاختلاف؟

نعم، اللوحات التي تتحدث عنها رسمتها برفقة حرفيين هنا، أي أنها عمل مشترك. كنت منبهرة جدا بطريقة عملهم وذكائهم، لذلك قررت إشراكهم في هذا العمل رغم أنني لم أكن أعرف الكيفية التي سيتم بها هذا الأمر، إلا أنه في النهاية قمنا بمجموعة من الحصص معا ورسمنا اللوحات التي تحدثت عنها، والتي أتمنى أن تباع لأن عائدتها ستخصص للمتضررين من الزلزال بين هؤلاء الحرفيين.

تعيشين بين المغرب وفرنسا، ما الفرق بين الحياة الفنية الفرنسية والمغربية؟

هناك سوق فنية بالمغرب، وهناك فنانون يعيشون عن طريق الفن، إلا أن السوق الفنية المغربية صعبة بعض الشيء، إذ أنه مؤخرا فقط تم الشروع في تقنين هذه السوق. وفي فرنسا أيضا الأمر ليس بتلك السهولة، إلا أن دعم الفنانين هناك متوفر بشكل كبير.

أخيرا، لماذا ترسمين؟ وما أهمية الرسم في حياتنا؟

لا أعلم ما الذي يدفعني للرسم منذ الصغر، دفتر واجباتي المدرسية كان مليئا برسوماتي، في الحقيقة لا أستطيع تقديم إجابة قاطعة على هذا السؤال، إلا أن الرسم مهم جدا لنفسيتي.

 أما بالنسبة للسؤال الثاني فلولا الرسم لن تكون لتجري هذا الحوار معي، كذلك الفن يتخطى الحدود والمشاكل السياسية ويسالم بين الشعوب، الفن بالنسبة لي لغة الشعب في الأرض ولغة القلب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى