الجزء الثاني من الحوار مع الفاعل السياسي والكاتب حميد مجدي: الملكية البرلمانية بقيت كشعار، وحلم اليسار هو الوحدة
الجزء الثاني
لوسات أنفو
حاوره؛ إلياس أبو الرجاء وعادل أيت واعزيز.
في الجزء الأول من هذا الحوار مع الفاعل السياسي حميد مجدي، حدثنا حول ظروف إصدار مؤلفه، “المخاض النقابي والسياسي العسير، ورزازات تتحدث بلسان حالها عن المغرب”، حيث اعتبره الكاتب عملية نضالية عبر فيها عن تجربته الشخصية، كما أبدى المحاور رأيه حول الوضع الحقوقي في البلاد، وعن القانون الضريبي وقانون الشغل.
في الجزء الثاني والأخير، من الحوار، سيرافقنا مجدي للحديث عن المشهد العام للبلاد، الحزبي عامة واليساري خاصة، وسيحدثنا عن رأيه في الفعل السياسي وأسباب عزوف الشباب عن العمل السياسي.
س؛ هناك مجموعة من المواطنين يعبرون عن استيائهم من سياسات الحكومة الجديدة، وكذلك من المعارضة البرلمانية. ألا يمكن أن نشهد معارضة سياسية واضحة الأفكار والمعالم وغير متباينة؟
عمليا، أعتقد أنه من الإيجابي أن يكون هذا التمايز، وأنا أتفق معكم، بأنه لا وجود لمعارضة برلمانية. نحن كحزب اشتراكي موحد، لنا برلمانية واحدة ممثلة في الرفيقة نبيلة منيب، التي تقوم بجهد كبير، وكذلك الرفيقة فاطمة التامني بفيدرالية اليسار الديمقراطي، ومواقفهم واضحة، لكونهم ينتمون لنفس الصف والجهة، أما بقية المعارضة بالبرلمان فإنها مع الأسف تدافع عن السياسيات المخزنية في البلاد.
س: وهل هذا الأمر ينطبق أيضا على المشهد الحزبي في المغرب؟
بالنسبة لي، أرى أن المشهد الحزبي بالمغرب، مكون من أحزاب إدارية، والذين لن اصنفهم كأحزاب، بل مجرد ملحقات إدارية للمخزن، لأنه من المفروض على الحزب أن يكون مستقلا، بقراراته وبرامجه ومرجعياته، ويتوافق مع ذاته. كما أن هناك أحزابا أخرى التحقوا بهذا الركب وتغيروا جملة وتفصيلا، كالإتحاد الإشتراكي وحزب الإستقلال والتقدم والإشتراكية، الذين أصبحوا مع الأسف ينتمون لدائرة المخزن.
س: ومن هي الأحزاب التي لا تنتمي لهذه الدائرة؟
هناك أحزاب أخرى لا زالت تناضل، بإمكانيتها البسيطة التي تتوفر عليها ومجهوداتها الفردية والجماعية، فهي التي تخلق الآن شيئا من التوازن، ومن بينهم؛ الحزب الإشتراكي الموحد، فيدرالية اليسار الديمقراطي والنهج الدمقراطي، والتي تشتغل بشكل كبير قد لايظهر، سواء في المجتمع المدني أو في النقابات، وهو الأمر الذي لا تقوم به الأحزاب اليمينية أو الإدارية. وكذلك حين تكون هناك اعتقالات سياسية للصحفيين وللنشطاء، فنحن على قلتنا نتحرك ونتفاعل ونتضامن معهم، كاشتراكي موحد وكفيدرالية ونهج. ورغم ضعفنا، نحاول دائما أن نخلق الحد الأدنى من التوازن.
س ؛ ولكن ألا يمكن أن نشهد في المستقبل تنسيقا متكاملا ، بين هذه المكونات ، على الأقل بين هذين الحزبين المتواجدين بالبرلمان، الإشتراكي الموحد وفيدرالية اليسار الديمقراطي؟
دائما ما كان حلم اليسار هو الوحدة، لأن الأساس هو أن نتقوى، والسؤال هو كيف؟ هل سيتقوى بالإندماج أم بالتنسيق أم بشيء آخر؟ فيما قبل كانت هناك فعلا تجربة، قبل فيدرالية اليسار، باسم تجمع اليسار الديمقراطي، وكانت تجربة مهمة، وتمنيت أن نعود لتفعيل هذا التجمع، ويكون التنسيق واضحا. لكن حينما جاءت فيدرالية اليسار ألغت هذا التجمع، المكون من حزب النهج والطليعة والمؤتمر والاشتراكي الموحد، وتشكلت الفيدرالية. وكان بعدهم مع الأسف الشديد بعدا انتخابيا، والطريقة التي شكلت بها لم تكن حتى طريقة منظمة وكان تشكلا بيروقراطيا. لقد كانت هناك أخطاء قاتلة، أفشلت الفيدرالية نفسها.
سؤال: لكن، كان الرهان دائما على الإندماج، لما لم نرى الحزب الإشتراكي الموحد في المؤتمر الإندماجي الذي أقيم في السنة الماضية من شهر دجنبر بمدينة بوزنيقة؟
ما معنى أن تكون فاشلا في الفيدرالية، وتبني على هذا الفشل بشيء آخر؟ هدف المغاربة ليس هو الإندماج إنما التغيير. ولكن كي يكون هناك اندماج قوي، لا بد من مقومات. حين فشلت هذه التجربة أضعفت الأحزاب كذلك، فلم نكن نعرف أ نشتغل داخل الفيدرالية أو داخل الأحزاب المكونة لها، وهذا الضعف انتزع منها اختصاصات مهمة وأساسية، ووقع نوع من الخلط، وبالتالي لم يكن هناك نجاح. والأدهى من ذلك أن الذي سعينا من أجله في الإشتراكي الموحد، هو أن يكون هناك تقييم للمراحل السابقة. كي لا تكون مجرد عملية رقمية، وأن نتفق على المرجعية والموقف السياسي والجماهيري.
س ؛ كلما رددت جملة الشباب والفعل السياسي، نجد ردة فعل الشباب متمثلة في؛ “معندنا منديرو بالسياسة”. هذا العزوف السياسي للشباب، خطأ من، هل هو خطأ الشباب أم خطأ الأحزاب؟
جواب؛ المشكل ذاتي وموضوعي، لأنه علينا أن نفهم أن الحزب لا يبني نفسه بنفسه، بل يحتاج للتفاعل ولمن يبنيه. الحزب كي يتقوى يحتاج لمجوعة من المقومات، وبالتالي كانت هناك أمور أضعفت الحزب، أولا، كان هناك قمع كبير، وكي لا تنسوا فاليسار المغربي الحقيقي تعرض لضربات لا تتصور خلال السبعينات و الثمانينات أدوا فيه مناضلوه ثمنا غاليا، فقط كي يبنوا الصرح السياسي المغربي، ومن هنا فرض هذا الإنغلاق نوعا ما. ولكن حينما توفر هامش من الدمقراطية لم تنفتح هذه الأحزاب على الشباب بالشكل اللازم، ولن أقول أن الشباب لم ينفتح عليها، لأن عدم الإنخراط السياسي يحكمه عامل الخوف والأمية كذلك.
نفهم من كلامك أن هناك صورة نمطية حول الأحزاب!
نعم، وهذا الأمر من صالح النظام ويلعب على وثره، وهذا خطأ فادح، فلا يمكن أن يكون هناك أي تغيير ديمقراطي إلا عن طريق الأحزاب. الذي أدعو الشباب إليه. إما إصلاح الأحزاب التي هم مقتنعون بها، أو خلق أحزاب جديدة، ولكن يجب ألا يظلوا في الهامش والنقد من بعيد. ومن المفروض الإنخراط في العمل السياسي، لأنه ضرورة ملحة، فكي تكون مواطنا يجب أن تنخرط في العملية السياسية، وألا تكون فقط خاضعا، ويجب أن يكون لك رأي في الشأن العام، ولايمكن أن يكون ذلك بشكل فوضوي ومثالي، لأن هذا هو الأمر الذي نقوم به وندعو إليه، وجب النضال في المؤسسات السياسية وداخل الأحزاب من أجل الديمقراطية الداخلية، فإذا أتحت فرصة للإنتهازيين فلا يمكن للحزب إلا أن ينتج الإنتهازية، ولكن إذا كان عدد النزهاء كبيرا، فبكل تأكيد الديمغرافية الحزبية سوف تتغير في الإتجاه الذي نريده. بمعنى لا يمكن أن تشارك في تدبير شؤون البلاد بعيدا عن الأحزاب السياسية، وهذا هو المدخل الوحيد. ضدا في الديكتاتورية وضد الشيخ والمريد، فليس هناك طريق آخر غير التغيير عن طريق الأحزاب، ويجب أن ينصب الإنتباه والتفكير والعمل في اتجاه الحزب، ليس هناك خيار غير هذا في عملية وسيرورة التغيير.
س ؛ هناك من يقول أن كل هذه الإنشقاقات والتوترات داخل الأحزاب، يعود للعوامل الداخلية للأحزاب، بدل النظام الذي يتم إظهاره كشماعة يعلق عليها هذا الشرخ؟
أولا، كونوا على يقين أن هذا النظام هو سبب هذه الإنشقاقات وهذا الضعف، لأنه نقيض، ولن يدعك تتقوى، وهو أمر طبيعي وصراع طبقي، المفروض على المتضرر أن يبنى ويتقوى. فالنظام هو المستفيد، وهو أقوى منا، لما يملك من آليات. وبالعكس فالجزء الضئيل نابع من المشاكل الداخلية، لكن الجزء الموضوعي في هذا السبب هو النظام، هو الذي يقوم بالاعتقالات، وهو من يمنح الوصل ويمنعه، هو من يمنع الحزب على الآخر، وهو من يشتري الإنتهازيين داخل الأحزاب. لكن علينا أن نفهم أن ضعف الدولة كبير، فحين يكون لديك هامش ضئيل من الديمقراطية، فإن العكس يحدث. مثلا حين نقوم بتنظيم ندوة تكون مكلفة، إلا إذا كانت مجهودات شخصية، أما الدولة فهي تمول فقط أحزابها. ونتفادى أحيانا تنظيم العديد من الأنشطة لعدم توفر الإمكانيات.. فهو يحاصرنا ماليا وحقوقيا وسياسيا. هذا واقع، ويجب أن نتعامل معه، كي ننتقل لما هو ذاتي، فنحن محاصرين حصارا شديدا، ومع ذلك نتصارع، لكننا لم ننجح في فرض قاعدة جماهيرية وشعبية كبيرة، كي نسير في طريق التغيير، وحراك الريف أفضل مثال، فالدولة تتحمل المسؤولية في إضعاف الأحزاب بشكل كبير جدا.
س؛ هناك مجموعة من الأحزاب من بينها الإشتراكي الموحد وفيدرالية اليسار الديمقراطي تطرح نظام الملكية البرلمانية كحل لانتقال ديمقراطي، في نظرك ما هي الإكراهات التي تحول دون تحقق هذا النظام من الحكم؟
فقط كي لايكون هناك خلط، فحتى الدستور يتضمن في نصوصه الملكية البرلمانية، ونحن ندعو في الإشتراكي الموحد لملكية برلمانية، يسود فيها الملك ولا يحكم، كما هو الشأن بالنسبة لإنجلترا، كي تكون هناك تغييرات سلسة بأقل ضرر ممكن، فإذا كانت جميع الأطراف تريد خيرا للبلاد، فعليها أن تساهم في هذا المشروع.
ولأن المصالح الكبرى هي من تحكم، فالمستفيد دائما يرغب في البقاء في مكانه. نحن في الحزب الإشتراكي الموحد لا نتوفر على قاعدة شعبية قوية، ثانيا، طرحنا الملكية البرلمانية، ولكن بقيت فقط كشعار، أما كيفية الوصول إليها فهي سيرورة طويلة، لذا بقينا مرهونين فقط بتجاوب المؤسسة الملكية. فحين تطرح الملكية البرلمانية، يجب أن يكون هناك برنامج عملي نضالي وسلمي، كي تقوم بالضغط، حتى في الدول الأخرى كانت الملكية البرلمانية نتيجة نضالات.