الرأي

العلاقات الجزائرية الأمريكية و ملف الصحراء المغربية

عبد الإله إصباح

استقبل وزير الخاريجية  الأمريكي أنطوني بيلينكن  نظيره الجزائري بواشنطن، واسفرت الزيارة عن مجموعة من التفاهمات وتوقيع عدد من الاتفاقيات، أدلى على إثرها كلا  الوزيرين بتصريحات متفائلة عن متانة العلاقة بين الدولتين والتطلع إلى تمتينيها مستقبلا من خلال إبرام مزيد من الاتفاقيات في المجال الاقتصادي والديبلوماسي.

وإذا كانت الزيارة تندرج بالنسبة للجزائر ضمن تطلعها إلى الإضطلاع  بأدوار هامة في السياسة الدولية من خلال تنويع علاقاتها مع القوى العظمى المتمثلة في أمريكا وروسيا والصين والحفاظ على علاقتها التارييخية والتقليدية مع فرنسا، فإن امريكا تسعى من خلال هذه الزيارة إلى توطيد نفوذها بشمال القارة الإفريقية وعدم ترك روسيا تتقدم عليها في العلاقة الثنائية مع الجزائر، وذلك نظرا لوزن هذه الأخيرة كدولة نفطية خاصة في الظرف الراهن الموسوم بمجوعة من النزاعات وتحديدا الحرب الأطلسية الروسية في اوكرانيا.

وفي علاقة بملف الصحراء المغربية، فإن هذه الزيارة تستدعي مجموعة من التساؤلات بخصوص الموقف الأمريكي من هذا الملف، فمنذ أن غرد ترامب معترفا بمغربية الصحراء، اعتبرت الجهات الرسمية بالمغرب أن ذلك يشكل منعطفا هاما في مسار هذ النزاع لصالج الموقف المغربي، وهو بذلك يشكل مكسيا وانتصارا على أعداء الوحدة الترابية. فهل بعد هذه الزيارة يمكن الاستمرار في الاطمئنان إلى الموقف الأمريكي؟ ألا تشكل هذه الزيارة مؤشرا على نوع من التراجع من طرف أمريكا بهذا الخصوص، وبالتالي توجيه رسالة إلى الجزائر مفادها أن الموقف الأمريكي لم يطرأ عليه أي تغيير بالرغم من تغريدة ترامب السابقة؟

وبالفعل قد يكون من بين الأهذاف الأمريكية لهذه الزيارة هو جعل المغرب لا ينتظر أكتر من تلك التغريدة اليتيمة، وإفهامه أن أمريكا لا تعتد في علاقاتها الدولية بالاعتبارات الشخصية ، و أن الأولوية دائما لمصالحها التي تضعها فوق كل اعتبار، ومصلحة أمريكا هي ان يظل ملف الصحراء يراوح مكانه كنزاع مستمر بين دولتين جارين يستعمل لابتزازهما معا.

ولا شك أن هذا الابتزاز هو ما قام به ترامب عندما استعمل ملف الصحراء للدفع بالمغرب إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني. لو أرادت امريكا فعلا أن تنحاز بوضوح لموقف المغرب لفعلت ذلك من خلال مجلس الأمن بتغيير الوضع القانوني للملف باستخدام نفوذها الوازن كزعيمة للغرب، ومن خلال موقف واضح من جبهة البوليزاريو يصنفها كمنظمة إرهابية. غير ان امريكا لن تقوم بذلك لأن مصلحتها هي استمرار الوضع القائم دون حل نهائي. أمريكا عندما ترى أن اي منظمة  أو حزب يناهض مصلحتها فإنها لا تتواني في تصنيفه كمنظمة  تدعم الإرهاب كما فعلت مع حزب لله في لبنان، فضلا عن فرض عقوبات على هذه التنظيمات والأحزاب تشمل شخصياتها البارزة  وتجميد عائداتها المالية بالمصارف الغربية.

حري بالمغرب إذن أن لا ينساق مع الوعود، وأن لا يعتد إلا بالمواقف العملية والواضحة في دلالاتها دون لبس أو غموض يجعلها قابلة لمختلف التفسيرات والتأويلات. ولقد دأب بعض المحللين والأساتذة الجامعيين على  تقديم الموقف الامريكي  كحسم نهائي لملف الصحراء، إما من منطلق التماهي مع الموقف الرسمي  الذي يسعى إلى ترسيخ هذا الزعم كحقيقة لا نقاش فيها، أو من منطلق استنتاجات تعبر عن الرغبة أكثر مما تعكس الواقع إلى درجة ان البعض منهم بشر المغاربة بقرب الاحتفال بالطي النهائي لهذا الملف الشائك، وهي استنتاجات إن لم تكن تضليلا، فهي تقترب من أن تكون هذيانا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى