العقد الاجتماعي المُجْهَض…
يكابد الناس في البلد، اليومَ، عنفا قاسيا وقياسيا، عبر حرمانهم من مكتسبات التنمية بالإقصاء والتهميش والإهمال الممنهج
حسن أوزيادي
عنف الدولة ليس اعتباطيا، تمارسه بدقة وإحكام متناهيين، وفق خطط وأهداف واستراتيجيات محكمة، بغية خلق تآلف وتماهي مع واقع حابل بالأعطاب والعلل. الهدف استنبات قسري لمنسوب الرضى العام على واقع يئن بين مطرفة العصيان وسندان الانهيار.
تشكيلات اجتماعية مترامية على امتداد الوطن وعلى أطرافه، تقبع خارج صيرورة النمو المجتمعي (الأطلس نموذجا بعد الزلزال) . مناطق ممتدة وشاسعة ونسبة سكانية عريضة شكلت عبر التاريخ موضوع عنف مزدوج: عنف الدولة وعنف الطبيعة.
يكابد الناس في البلد، اليومَ، عنفا قاسيا وقياسيا، عبر حرمانهم من مكتسبات التنمية بالإقصاء والتهميش والإهمال الممنهج والمندمج. دُغدِغ المخيل الشعبي، عبر شاشات التلفاز ووسائل التواصل الاجتماعي، واستُنفرت المشاعر وأُججت العواطف حتى انفتحت آفاق للخلاص من العوز والحاجة و من وطأة العنف المزمن هاته،و رُفع سقف الطموح ودقت طبول حلم وصل صداه إلى مدىً قد يضع ربما نهاية لهذا العنف الاجتماعي الممتد إلى شتى مناحي الحياة، من سكن وبتعليم وصحة وسياسة واقتصاد.
المواطن المغربي اليوم يجابه، بمفرده، عنفا اجتماعيا ذا صفات زئبقية، بابتسامات مُرةٍ وقهقهات ساخرة وأليمة في نفس الآن، تعكس القهر والحاجة ممزوجة بأمل في المستقبل.
لا تكاد تخطو شارعا أو زنقة وتتسلق منحناً في طريق جبيلة وعرة حتى يباغتك العنف بشتى مظاهره المحتفلة والظالمة والمشمئزة.
في تقاسيم الناس الشاحبة والمنهكة، يرتسم العوز مع أسئلة الحق في الوجود. يقفز بوجهك عنف تجاوز تِرْمومِترُه المتوسط. وفي الظل يخطو العنف بخطوات تابته ويقينه، يسلك طريقه بازدراء غير آبه للوجع الصامت في محيا الناس.
في الأزمات تنبلج مشاريع الخلاص في السماء و توقظ الأمل في النفوس، ويلوح الرخاء والرفاه في الأفق كأننا في موسم “تبوريدة اجتماعية” وحين يخفت صوت الأنين والالم ،يستباح المجتمع من جديد، وتطفو على السطح العلل المزمنة التي سكنت ذهن وسلوك وقيم للقائمين على التنمية. تعود التنمية المُبَشرُ بها للملمت فشلها وأغراض مشاريعها وتدير ظهرها للوعود والآمال التي سوقتها عبر المنابر والشاشات واستنزفت الميزانيات ….وتستمر الدولة في إعادة إنتاج عللها وعنفها هربا للأمام. عنف جديد بمواصفات أخرى وبهارات جديدة أكثر تحايلا للاستمرار، رغبة في ديمومة الوجود المعتل.
مشاريع وتقارير اللتنمية البشرية المتراكمة على رفوف تاريخ المغرب الحديث: تقرير 50 سنة من التنمية
البشرية حتى أفق 2025، المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ثم آخرهم النموذج التنموي الجديد في أفق 2035.
كلها مشاريع وخرائط طريق تراهن على صياغة عقد اجتماعي أو بالأصح مداخيل للدولة الاجتماعية التي تهدف بالأساس إلى تحقيق العدالة الاجتماعية من رخاء ورفاه اقتصادي للمواطنين. أي تنمية مستدامة بدل عنف مستدام .
يثول أرسطو في السياسة “الدولة هي مجتمع الرخاء بالنسبة للعائلات ومجموعات العائلات وهدفها تحقيق حياة
كاملة تكفي ذاتها بذاتها “
في التشريح والتدقيق في مسلسل التنمية البشرية في المغرب الحديث، تقف حائرا من أمرك عند تفكيك شِفرة المضامين، لأنها تنهل من قاموس يرتكز على مبادئ وقيم تؤسس للدولة الاجتماعية، من حيث هي عدالة اجتماعية ورخاء اقتصادي ورفاه اجتماعي وديمقراطية ومساواة. تبهرك المضامين وتشدَهُ أمام قوة المشاريع وآليات التنزيل، كأننا أمام عقد اجتماعي يؤسس لثورة هادئة قد تنسل بهدوء ودون عنف اجتماعي مكَلِف لبناء الدولة الاجتماعية والمدنية الحديثة المُؤسَسَة على الديمقراطية أولا، حيث يتمتع المواطنون بحقوقهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية كاملة، ثم العدالة الاجتماعية ثانيا بتحقيق العدالة بين جميع المواطنين، بغض النظر عن جنسهم أو عرقهم أو دينهم أو طبقتهم الاجتماعية، فالمساواة ثالثا، والتي تُبنى من خلال توفير فرص متساوية للجميع في التعليم والرعاية الصحية والعمل والسكن. ورابعا التضامن الاجتماعي بين جميع المواطنين، من خلال توفير برامج الرعاية الاجتماعية للفئات المحتاجة. وأخيرا المشاركة الاجتماعية: الهادفة إلى إشراك المواطنين عموديا وأفقيا في صنع القرار، بالمشاركة بكل حرية في الحياة السياسية.
إذن أين الخلل؟ هل ممارسة العنف الاجتماعي اتجاه المواطن هو بغرض إخفاء الفشل؟ هل هو نتيجة إخفاق الدولة ومؤسساتها في تنزيل المشاريع التنموية؟ هل هو فساد مستشري يعوق التنمية؟ هل هي ثقافة وقيم انتهازية تنخر هرم الدولة ومفاصل المجتمع؟
هي أسئلة مشروعة أمام تعطل خيار النماء، دول بالأمس كنا معها جنبا إلى جنب أو تفوقنا إلى حد ما وفي زمن ما، في مؤشرات التنمية البشرية، واليوم تجاوزتنا بسرعة ضوئية. لأنها لم تتبن مقاربة قوامها العنف بل الشراكة السياسية بنقائها وصفائها لأن الوطن ملك للجميع.