الطبقة الوسطى في كماشة الصراع بالمغرب
حسن أوزيادي
أدوار الطبقة الوسطى
عادة ما يُعتبر اتساع حجم الطبقة الوسطى ورخاؤها في المجتمع أمرا ايجابيا في بنية المجتمعات. تَمَوْقُعُها في وسط الهرم الاجتماعي يُجيز لها لعِبَ أدوار اجتماعية واقتصادية وسياسية لخلق التوازن المرغوب، بحكم تميز ها بمستوى معيشي متوسط، وتعليمي مرتفع، وثقافي متميز. هي ميزات بوظائف متعددة ومهمة في التغيير المجتمعي. وبخلفية فكرية مبنية على قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، و وعيا منفتحا و مهتما بالقضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. خصائص تجعلها أكثر نشاطا وتأثيرا في مسلسل التغيير الديمقراطي للمجتمع وتجعلها أكثر طموحا لنظامِ حكم يضمن المشاركة والشراكة في صنع القرار السياسي والاقتصادي على أرضية حقوق الإنسان كمبدأ كوني وإنساني مُؤَسس على قيم العدالة الاجتماعية ، ليس كجعجعة موسمية ، بل كسياسات عمومية قِوامها المساواة كممارسة في ردهات المؤسسات بين جميع أفراد المجتمع. استشرافها الدائم لإصلاح النظام الاقتصادي كأهم مدخل للعدالة الاجتماعية و الضامن للتوزيع الحقيقي والعادل الثروة، يُمَوْقِعُهَا ضمن الفئات الطليعية لقيادة التغيير.
راهن الطبقة الوسطى
في ظل تحولات الراهن المغربي في علاقته بمحيطه الإقليمي والدولي، باتت الطبقة الوسطى عنواناً فارقا في الدينامية المجتمعية الني يعيشها مغرب اليوم، اعتبارا للأدوار التي يمكن أن تلعبها لتحقيق توازنات جديدة داخل المجتمع، الشيء الذي وضعها في صلب كماشة الصراع ، ووضعها أمام واقع مليء بإكراهات وتحديات تعمل على فرْملة هذه الدينامية المجتمعية التي تسعى إلى خلخلة السائد وإعطائه نفسا جديدا وشحنة دافعة وقودها السؤال حول ماهية مغرب اليوم وأين يسير .
هي مهمة ليست بالسهلة إنجازها، ولكن ليست البتة مستحيلا. رهان صعب. في الضفة المقابلة، رأسمال زاوج السلطة ومتربص للانقضاض، راميا بمِجَساته لتلتهم وتبلع الاقتصاد والسياسة وكل ما يدور في فلك الثروة و الاغتناء الغير مشروع.
واقع يضع الطبقة الوسطى في فوهة المدفع، قصد ربْكِ هذه الدينامية الجديدة وفرملتها بشتى الوسائل. لتجد نفسها أمام منظومة مركبة تداخل فيها المال بالسلطة برهان الإقصاء المتعمد وتعبيد الطريق لتحييد وإجلاء هذه الطبقة من معادلة التوازن وبالتالي قهقرتها في السُلم الاجتماعي و إلحاقها بالقاع عبر حربٍ اقتصادية ضروس مرتكزة على الضغط وتخريب نمط عيشها وشل قوتها وتقزيم أدوارها بسياسات اقتصادية تُنتج الارتباك والاختلال لإضعاف قدرتها الشرائية وخلق الهوة بين مستوى الدخل و طبيعة الإنفاق كآلية إجرائية في الحرب الاقتصادية .
دخل هزيل، لم يعد يستجيب حتى للحاجيات الأساسية من مأكل ومشرب، وملبس وتطبيب وسكن. هجوم شرس يهدف تشتيت التفكير ولجم السؤال وتزييف الوعي بالقضايا الأساسية للمجتمع.
حشر الطبقة الوسطى في زاوية صراط العيش اليومي يرمي إلى حصر ديناميتها في الهامش المجتمعي.
أما للتعليم و” الرفاه الاجتماعي” لم يعد واردا في أجندة هذه الطبقة. فالنتيجة إدلال. ليكتمل مسلسل الإجهاز بتوفير كل الشروط الذاتية والموضوعية للتراجع عن الأدوار وإجهاض الدينامية المجتمعية بفضاضة النيوليبيرالية المحلية .
العديد من أبناء هذه الطبقة تراجعت أحوالهم بفعل السياسات الاقتصادية مما يدلل على الإلحاق القسري بطبقة الفقراء، فاختل التوازن وأصبحت المواجهة الصريحة بين الغنى والفقر .
في ظل هذا الوضع الاجتماعي المزرى والمقرف والمتقهقر للطبقة الوسطى ، لم يظهر في الأفق حديث ولا حتى نوايا سياسية للنهوض بوضعها كطبقة اجتماعية موقعها الطبيعي هو خلق التوازن على مستوى الهرم الاجتماعي كي تضطلع بأدوارها الاقتصادية ة و السياسية كاملة في إنجاح مسارات التنمية والرقي والرفاه .
فقِصر النظر الناتج عن ضعف التفكير لصانع السياسة لم ينتج سوى سياسة الاستهداف حفاظا على الموقع والمصلحة والمكتسب بدل الرهان على الرؤية الشاملة التي تجعل المجتمع يخطو بخطوات تابته نحول المستقبل.
إن الدينامية الاجتماعية التي خلقتها هده الطبقة وهي مرغمة، بعد اشتداد مسلسل الاستهداف وتنوع أساليبه وأشكاله ، يطرح عدة علامات استفهام لسبر كنه نوايا صانع السياسة في مغرب اليوم.
المغامرة بقطاع كقطاع التعليم، والذي شكل عبر التاريخ وعند كل الأمم حجر الزاوية في بناء الإنسان، يعتبر، وبإجماع كل المؤرخين و علماء الاجتماع، الأداة المقلى والفعالة لتخريب الأمم وإعادتهم إلى عصور الجهل والأمية والفقر… ولنا في التاريخ دروس.