الرأي

الضابط الأمريكي أرون بوشنيل… الاحتجاج احتراقا وموتا من أجل فلسطين

فكر وتصرف انطلاقا مما أملاه عليه ضميره كإنسان إزاء المحرقة الصهونية المتواصلة بغزة

عبد الإله إصباح

أقدم الضابط في سلاح الجو الأمريكي أرون بوشنيل على إحراق نفسه أمام سفارة الكيان الصهيوني بواشنطن احتجاجا على الإبادة الجماعية في حق الشعب الفلسطيني. ردد وهو يصب البنزين على جسده ويشعل النار فيه: ” لنحرر فلسطين ” . هو الشاب ذو الخامسة والعشرين من عمره و ذو الوظيفة المتميزة كطيار، لم يفكر في المستقبل الزاهر أمامه، ولا في إمكانيات الترقي الوظيفي التي يتيحها له منصبه ليصبح جنرالا أو رئيس أركان، أو حتى رئيس أمريكا ذاتها، بل فكر وتصرف انطلاقا مما أملاه عليه ضميره كإنسان إزاء المحرقة الصهونية المتواصلة بغزة بتواطؤ سافر ومكشوف من طرف أمريكا ودول الغرب. لم يستسغ مشاهد التدمير للمنازل والأبراج السكنية وتقتيل الأطفال والنساء والشيوخ بالآلاف، واستهداف المستشفيات والمساجد والكنائس، وحصار شعب بكامله وتجويعه ومنع الغذاء والدواء عنه. كان يمكنه مثل الآلاف من زملائه أن لا يكترث ويبرر ذلك بشتى المبررات، ولكنه ليس من ذلك الصنف الذي يعفي نفسه من أدنى واجب إزاء معاناة وألم الأخرين, لقد برهن ليس فقط على انه يتفاعل و يتعاطف مع ضحايا المحرقة، بل يتألم اشد الألم لمعاناتهم وآلامهم لدرجة عدم تحمل العيش في ظل مأساة مستمرة تحدث فصولها بعيدة عن بلده بآلاف الكيلوميترات، ولكنها ليست بعيدة عن إحساسه وشعوره،وعن انتمائه للإنسانية في ابهى تجلياتها وصورها. ما أقدم عليه من تضحية بالذات والحياة من أجل مبدأ وقضية، يؤكد أنه لم ينخدع بالسردية المزيفة للكيان الصهيوني و لا بتشويه الحقائق التي  تمارسه وسائل الإعلام ببلده. أدرك بذكائه وحدسه الإنساني أنه  أمام إبادة حقيقية غير مسبوقة، تتم بدوافع استعمارية وحقد عنصري. عبر هذا البطل من أمريكا أرون بوشنيل عن حس تضامني غير مسبوق، و جرعة زائدة من الإنسانية، في الوقت الذي عبر فيه المتصهينون من كل ملة وجنس عن جرعة زائدة من الخسة والأنانية. ولطالما عبرت القلة المتصيهينة بيننا عن تذمرها من تضامن الشعب المغربي مع فلسطين بدعوى أنها بعيدة عنا ولا شأن لنا بها، وهي بذلك تثبت أن حقدها العنصري بلغ حدا لم تعد تتحمل معه أدنى مظاهر التضامن مع شعب يقتل ويباد دون حماية إلا من مقاومته الباسلة والصامدة.

ارون بوشنيل قدم بانتحاره الإنساني معنى للحياة يتسامى بها عن جانبها الحيواني ويرقى بها إلى إحساس عميق بالآخر، يرقى بها إلى جوهر متفرد لا يبلغه إلا قلة من الأفراد الاستثنائيين، و بوشنيل هو واحد من هؤلاء الذين يقدمون نموذجا راقيا في نكران الذات من أجل عالم خال من الظلم والقهر، عالم تسوده المساواة والعدل والكرامة. أرون بوشنيل مناضل وبطل اسثتنائي  حفر له باستحقاق مكانا إلى جانب أبطال الإنسانية عبر التاريخ. فالمجد والخلود لك أيها البطل الشامخ

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى