الشهيد عمر بن جلون… فلسطين والعمل النقابي
عبد الإله إصباح
تحل ذكرى الشهيد عمر بن جلون هذه السنة في سياق دولي تحتل فيه القضية الفلسطينية واجهة الأحداث إثر قيام فصيل من فصائل المقاومة بإطلاق عملية طوفان الأقصى البطولية من أجل تجرير الأسرى والتصدي لمؤامرة تصفية قضية فلسطين من خلال تعميم التطبيع ليشمل مجموعة أخرى من الأنظمة العربية، وقد لجأ الكيان الصهيوني إلى الرد على هذه العملية بعدوان همجي يستهدف تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه في محاولة لإعادة سيناريو نكبة 48 بإخراج جديد ودعم أمريكي وغربي سافر، عدوان يتجلى في تطهير عرقي وإبادة جماعية تشمل الأطفال والنساء والشيوخ وجميع المدنيين بدون استثناء، مع تدمير كامل للبينة التحتية من طرق ومستشفيات ومدارس وقطع للماء والكهرباء ومنع إدخال أي مساعدات إنسانية تطبيقا للحصار الشامل وإمعانا في إلحاق أكبر الضرر بالشعب ومقاومته البطولية.
شاءت احداث التاريخ أن تحل ذكرى الشهيد عمر هذا العام من خلال قضيتين جوهريتين، قضية فلسطين وقضية العمل النقابي
وقد برهن الشعب المغربي بأن القضية الفلسطينية هي فعلا بالنسبة إليه قضية وطنية متجذرة في وعيه وراسخة في وجدانه، وقد عبر الشهيد عمر عن هذا الاحتضان الشعبي من خلال إصداره لجريدة فلسطين إدراكا منه أنها قضية تحرر وطني لا يمكن لليسار المغربي إلا أن يجعلها ضمن اولوياته في نضاله ضد التحالف الرجعي الصهيوني الأمريكي. والشهيد عمر برهن بحسه السياسي و النضالي على المكانة الجوهرية للقضية الفلسطينية في مناهضة الاستعمار الجديد انطلاقا من كون هذا الاستعمار لجأ إلى غرس كيان استطاني في جزء من الأرض العربية ليكون كقاعدة عسكرية له تحمي مصالحه وتؤبد سيطرته على ثروات شعوب المنطقة وإبقائها تحت هيمنته المطلقة لمنع تقدمها ووحدتها. وقد أبان هذا الاستعمار عن ارتباطه العضوي بالكيان الصهيوني عندما عبأ كل أمكانياته العسكرية ونفوذه السياسي لدعم وحماية كيانه اللقيط بعد عملية طوفان الأقصى المجيدة. حضور القضية الفلسطينية إذن في فكر الشهيد، جعله من أحد قادة اليسار الذين ارتبط اسمهم بها وهو ما يؤكد أن هذه القضية ستبقى ضمن اولوية أي تنظيم يساري وأحد انشغالاته المركزية، وستظل متجذرة في وعي و وجدان أحرار العالم.
تنظيم النقابي لا يمكن أن يسترجع ريادته إلا باسترجاع الجوهر النضالي والكفاحي الذي اتسم به في زمن رواده الأفذاذ.
وإذا كان حلول ذكرى الشهيد هذه السنة تزامن دوليا مع الانبعاث الجديد والمتجدد للقضية الفلسطينة، فإنه تزامن وطنيا مع حراك تعليمي غير مسبوق من حيث حجمه وزخمه من جهة ومن حيث أن من تصدى لقيادته ليس النقابات و إنما ما يعرف بالتنسيقيات، وهو ما يفرض استحضار هذا المستجد في النظر إلى العمل النقابي راهنا ومقارنته بما كان عليه في ايام مجده. وأكيد أن ذلك يستدعي منطلقات النضال النقابي كما صاغها الرواد وعلى راسهم الشهيد عمر بن جلون، فلا ينبغي أن ننسى أنه كان ايضا قائدا نقابيا ومنظرا في هذا المجال وقدم تضحيات جسام على رأس نقابات البريد وهو إذاك يحتل منصبا مرموقا كمدير إقليمي لهذا القطاع دون أن يكون هذا المنصب مانعا له في قيادة الإضراب الشهير الذي فقد إثره منصبه مقدما نموذجا في التضحية ونكران الذات.هذه الخصال هي التي ينبغي الاسترشاد بها عند أي تقييم للأداء النقابي في الزمن الراهن، فالتنظيم النقابي لا يمكن أن يسترجع ريادته إلا باسترجاع الجوهر النضالي والكفاحي الذي اتسم به في زمن رواده الأفذاذ. و بكل يقين فالشهيد عمر كان احد هؤلاء الأفذاذ، فدوره مؤكد في بلورة وتأسيس البديل النقابي متمثلا في الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، والوفاء للشهيد يحتم الحفاظ على الهوية التقدمية لهذا البيدل وصون جوهره النضالي والكفاحي.
هكذا إذن، شاءت احداث التاريخ أن تحل ذكرى الشهيد عمر هذا العام من خلال قضيتين جوهريتين، قضية فلسطين وقضية العمل النقابي، وهما قضيتان انشغل بهما وكرس جهده ونضاله دفاعا عنهما و صونا لهما من كل اختراق أو انحراف.