فن

السينما سلاح آخر للفلسطينيين

مثل بقية السينما العربية، لم تتم أرشفة بدايات السينما الفلسطينية في الثلاثينيات، الأربعينيات، والخمسينيات إلا في شكل مطبوع.  تروي هذه الأرشيفات بدايات السينما في فلسطين، التي تعتبر بمثابة انطلاقة صناعة السينما في العديد من الدول العربية. عمل رواد السينما الفلسطينية في إنتاجات مبكرة في مصر وسوريا.

لو سات أنفو: ترجمة محسن برهمي

بعد إعلان محمد الضيف، القائد العام لكتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، السبت الماضي، بدء عملية “طوفان الأقصى” ضد إسرائيل بإطلاق أكثر من 5 آلاف صاروخ من قطاع غزة. عادت القضية الفلسطنية إلى الواجهة. فبعد الحصار المفروض على فلسطين؛ تعد السينما هي الأداة الوحيدة لمخاطبة العالم، لذلك نقترح عليكم قراء لو سات أنفو الأعزاء هذا المقال المترجم من موقع “ASSOCIATION FRANCE PALESTINE SOLIDARITÉ”، للتعرف على مسار السينما الفلسطينية وكيف عالجت القضية الفلسطينية من خلال السينما.

يعتبر الأخان لاما، بدر وإبراهيم، من أوائل صانعي الأفلام في العالم العربي، حيث انتقلا الفلسطينيان المولودان في تشيلي إلى مصر لإنتاج فيلمهم الأول، “قبلة في الصحراء” عام 1926، والذي تعتبره معظم المراجع في السينما العربية أول فيلم روائي طويل عربي. واصلت عائلة لاما إنتاج أكثر من 60 فيلمًا روائيًا وقصيرًا من خلال شركة الإنتاج Condor Films التي أسساها في مصر.

لم تكن أفلام الأخان لاما تدور حول فلسطين، بل قدمت بشكل أساسي المفاهيم المصرية والعربية بشكل عام. لذلك، عند الحديث عن تاريخ السينما الفلسطينية، لا يُذكر الإخوة لما إلا باعتبارهم مؤسسي السينما العربية، وهم فلسطينيي الأصل.

بدأت السينما الفلسطينية فعلياً عام 1935 مع إبراهيم حسن سرحان، الذي أنتج فيلماً وثائقياً قصيراً مدته 20 دقيقة عن زيارة ولي العهد السعودي الأمير سعود بن عبد العزيز إلى فلسطين. أخرج سرحان عدة أفلام أخرى حتى نكبة عام 1948، وبعدها لجأ إلى الأردن. وبحسب مقابلة مع المخرج العراقي قاسم حول، استقر سرحان بعد ذلك في مخيم شاتيلا في لبنان وعمل حداداً.

السينما الفلسطينية ما بعد النكبة:

أصبحت القضية الفلسطينية هي الموضوع الرئيسي للسينما الفلسطينية بعد نكبة عام 1948. وحتى الآن، من النادر أن تجد فيلمًا فلسطينيًا يدور حول أي شيء آخر، بعد الاحتلال، لم تكن السينما مجرد شكل فني تطور مع تطور الأدوات واحتراف الهواة، بل كانت أيضًا أداة ضرورية لتوثيق المواجهة التي مرت بمراحلها المختلفة، وكانت السينما معاصرة لكل هذه المراحل، لأن لكل منها تأثيرها.

ومع تزايد أهمية أزمة اللاجئين، أصبحت المخيمات وقضية اللجوء مكونات أساسية في السينما الفلسطينية، لعبت الاشتباكات دورًا حاسمًا في السينما الفلسطينية خلال أوقات الثورات المسلحة والعمليات العسكرية المكثفة. كان بعض صانعي الأفلام مقتنعين بأن لغة سينمائية أخرى ربما تكون أكثر تأثيرًا ويمكن الوصول إليها عالميًا.  لغة، أحياناً خالية من الدم والرصاص. وهكذا تطورت السينما الفلسطينية نحو سينما فلسفية وفكرية.

ويرجع ذلك أساسًا إلى نزوح صانعي الأفلام الفلسطينيين الأوائل بعد النكبة، وقد استغرق الأمر سنوات عديدة حتى يصبح هذا التطور مرئيًا في السينما الفلسطينية. وجد صانعو الأفلام الفلسطينيون أنفسهم؛ إما في دول مجاورة مثل الأردن، لبنان، وسوريا كلاجئين، أو في دول أجنبية غير عربية. وبالتالي، لم يعد بإمكانهم إنتاج الأفلام، لأنهم فقدوا أدواتهم وشركات الإنتاج الخاصة بهم في بلدهم.

وكان من الصعب على هؤلاء المخرجين ألا يتأثروا بالتوجه السياسي للبلد المضيف. على سبيل المثال، قدم فيلم “وطني حبيبي” عام 1964، الذي تم إنتاجه في الأردن وأخرجه الفلسطيني عبد الله كعوش، القضية الفلسطينية على أنها صراع بين الجيشين الأردني والإسرائيلي. وتعرض الفيلم لانتقادات واسعة، لدرجة أن الناقد السينمائي حسن أبو غنيمة اعتبره “مزحة”.

سينما الثورة الفلسطينية:

في عام 1965، شكلت حركة التحرير الوطني الفلسطيني، فتح، بداية الثورة الفلسطينية المسلحة. وتعرف سينما هذا العصر باسم “سينما الثورة الفلسطينية”. واشتهرت مجموعة من السينمائيين والمخرجين الذين بادروا إلى إنتاج أفلام عن الثورة. وقاموا بتأسيس وحدة أفلام فلسطين، التي قدمت مجموعة من الأفلام التي توثق النضال الفلسطيني.

وتشمل قائمة الأفلام “لا للحل السلمي” من إنتاج مصطفى أبو علي وصلاح أبو هنود وهاني جوهرية وسلافة جاد الله عام 1968، بالإضافة إلى فيلم “بالروح بالدم” عام 1971 لمصطفى أبو علي الملقب بمؤسس الحركة. أنتجت وحدة أفلام فلسطين أفلاماً توثق الحركة المسلحة المقاومة للاحتلال ومعاناة الشتات الفلسطيني.

ومثل فتح، أنشأت معظم الائتلافات الثورية والسياسية في فلسطين وحدات إعلامية وسينمائية لإنتاج السينما الثورية. أنتجت الجبهة الشعبية والقيادة العامة والجبهة الديمقراطية عشرات الأفلام، خاصة في السبعينيات والثمانينيات.

تم إنتاج معظم الأفلام الفلسطينية الطويلة في الدول العربية المجاورة. ولذلك كان الممثلون والمخرجون وكتاب السيناريو في بعض الأحيان من جنسيات أخرى. من الصعب تحديد ما هو الفيلم الفلسطيني أو العربي عندما تكون القضية الفلسطينية موضوعه وطاقمه يضم ممثلين فلسطينيين وغير فلسطينيين. ومع ذلك، تتناول هذه الأفلام مواضيع مختلفة تتمحور حول المقاومة وحق العودة والحياة المأساوية للاجئين في مخيمات الشتات.

لكن السينما الفلسطينية طورت أدواتها وموضوعاتها. منذ التسعينيات، تمتعت السينما الفلسطينية بحضور عالمي خارج العالم العربي، حيث ظلت عالقة لعدة عقود.

السينما الفلسطينية الحديثة:

لجأ بعض صانعي الأفلام الفلسطينيين إلى الدول الأوروبية، حيث عملوا ودرسوا السينما. لقد حاولوا إخراج مشاريعهم من نطاق السينما الفلسطينية الثورية العادية لخلق نوع جديد تمامًا من السينما. وكان بعض هذه الأفلام مستقلاً، في حين قامت مؤسسات ثقافية وفنية بتمويل البعض الآخر.

ميشيل خليفي:

هو مخرج سينمائي فلسطيني مستقل ومؤثر. وكثيراً ما تصفه وسائل الإعلام بأنه رائد السينما الفلسطينية. بدأت رحلته بعد دراسة المسرح في بلجيكا، حيث قدم فيلمه الأول “الذاكرة الخصبة” عام 1980. ويحكي هذا الفيلم الوثائقي قصة امرأتين فلسطينيتين تقاومان الاحتلال بعدم التنازل عن أرضهما، ولاقى الفيلم استحسان النقاد.

في عام 1987، أخرج الخليفي فيلم “عرس في الجليل” وهو عمل روائي يصور قصة حفل زفاف في قرية فلسطينية. مقابل رفع حظر التجول أثناء حفل زفاف ابنه، يوافق رئيس بلدية القرية على دعوة جنود إسرائيليين لحضور حفل الزفاف. تم توزيع الفيلم دوليا وحصل على العديد من الجوائز العالمية، مثل جائزة الغلاف الذهبي في مهرجان سان سباستيان السينمائي الدولي، وجائزة FIPRESCI في كان عام 1987، وجائزة التانيت الذهبي في مهرجان سان سباستيان السينمائي الدولي.

وفي فيلم “أناشيد الحجارة” (1990) الذي لاقى استحسانا كبيرا، تم تقديم القضية من خلال شخصيات فلسطينية متعددة – بعضهم قادم من الخارج أو متمسك بأراضيهم، في حين تم إطلاق سراح آخرين مؤخرا من السجون الإسرائيلية. يُظهر الفيلم كيف تجمع الأرض المسروقة الشخصيات المختلفة معًا.

في عام 2009، أخرج الخليفي فيلم زنديق حول مسقط رأسها الناصرة. يستخدم الفيلم نفس المفاهيم التي قدمت في الأفلام السابقة، من الاحتفاظ بالأرض إلى حق العودة. حصل الفيلم على جائزة أفضل فيلم روائي طويل في مهرجان دبي السينمائي 2009.

ايليا سليمان:

يتميز المخرج الفلسطيني إيليا سليمان عن أقرانه بالأسلوب الخاص الذي اعتمده؛ أسلوب غير مألوف لدى معظم المخرجين الفلسطينيين والعرب. الرمزية الكوميدية هي ما يميز أسلوب سليمان الذي يسعى لتقديم كل شيء -حتى المآسي- بطريقة كوميدية بعض الشيء. كمخرج، يعتمد سليمان على الإشارات البصرية والتأطير لتوصيل رسالته، على حساب الحوار أحيانًا.

وفي سنوات شبابه، اتُهم إيليا سليمان، المولود في الناصرة، بالانتماء إلى منظمة التحرير الفلسطينية، مما أدى إلى اعتقاله من قبل الإسرائيليين. وفي وقت لاحق، عاش سليمان في عدة دول أوروبية واستقر أخيرًا في نيويورك. يقضي وقته بين نيويورك وفلسطين، حيث يعود دائمًا لتصوير وإنتاج أفلامه.

في عام 1990، منحه فيلم سليمان الأول، “مقدمة إلى نهاية جدال”، منصة في المهرجانات السينمائية الدولية. حصل هذا الفيلم، الذي يعرض صورة فلسطين في الإعلام الغربي وتناقضها مع الحياة الحقيقية للفلسطينيين، على جائزة أفضل فيلم تجريبي في مهرجان أتلانتا السينمائي.

في عام 2002، أخرج سليمان “التدخل الإلهي” – وهو علامة فارقة في تاريخ السينما الفلسطينية. حاز هذا الفيلم، الذي يحكي قصة حب في ظل الاحتلال، على جائزة لجنة التحكيم وجائزة الاتحاد الدولي للنقاد السينمائيين في مهرجان كان السينمائي، بالإضافة إلى العديد من الجوائز العالمية الأخرى.

في عام 2009، تم ترشيح فيلمه “الزمن المتبقي”، الذي يروي القضية الفلسطينية من خلال الكوميديا ​​السوداء الخفيفة، لمهرجاني كان وتورونتو السينمائيين. بالإضافة إلى حصول فيلمه “يجب أن تكون الجنة”، الذي تم إنتاجه عام 2019، على اعتراف عالمي في عشرات المعارض والمهرجانات، كما فاز بجائزة FIPRESCI في مهرجان كان السينمائي.

تكاد تكون أفلام إيليا سليمان خالية من الأسلحة والعنف وسفك الدماء التي تتخلل واقع الحياة في فلسطين، وهي تيمة مميزة تجعل أفلامه أيضًا هدفًا للنقد. كثيرون ممن عايشوا الأزمة الفلسطينية وتضرروا من الاحتلال لم يقدروا اللغة الكوميدية والرمزية. لكن أسلوب سليمان أوصل القضية إلى الشاشات حول العالم في مناسبات عديدة، مما سمح للمشاهدين برؤية فلسطين بشكل مختلف.

هاني أبو سعد:

تناولت أفلام المخرج الفلسطيني الهولندي هاني أبو أسعد، عدداً من القضايا الإشكالية في فلسطين، بما في ذلك الاستخبارات الإسرائيلية، والاستشهاد. تتميز غالبية أفلامه بقصة جذابة تركز على حوارات طويلة وهادفة ورمزية.

فاز فيلمه الأكثر شهرة “الجنة الآن” (2005)، بجائزة أفضل فيلم بلغة أجنبية في حفل توزيع جوائز الغولدن غلوب. وكان الفيلم العربي الأول والوحيد الذي حصل على هذه الجائزة، وتم ترشيحه في نفس الفئة في حفل توزيع جوائز الأوسكار.  كما حصل الفيلم على جائزة أفضل فيلم في هولندا في عام صدوره.

يحكي عمر، الذي أُنتج عام 2013، قصة عاشقين فرقهما الجدار الإسرائيلي في الضفة الغربية. وحظي الفيلم بتقدير كبير، لأسباب ليس أقلها إن معظم ممثليه كانوا فلسطينيين.

وتعرض فيلم أبو أسعد الأخير، صالون هدى، إنتاج عام 2021، لانتقادات شديدة من قبل الفلسطينيين والمسؤولين بسبب مشهد يصور امرأة عارية. يعكس هذا النقد الوضع الراهن للسينما الفلسطينية، التي لم تعد تتبع رغبات الجمهور ومنظمات المقاومة حصرا، بل تتعارض أحيانا مع هذه الجماهير. وقد تعرضت بعض أفلام أبو أسعد لانتقادات من قبل الفلسطينيين أكثر من انتقادات الإسرائيليين.

في الختام، فإن السينما الفلسطينية لم تعد تتبع الأسلوب الجامد، بل تطورت نحو سينما منفتحة، قادرة على قبول الأفكار المتنوعة، واستخدام الأدوات المختلفة. هذا التطور ضمن للسينما الفلسطينية حضوراً عالمياً، حيث حررها من ضيق الساحة المحلية؛ الذي حرمها لعقود من قدرتها على مخاطبة غير الناطقين بالعربية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى