عبد الإله إصباح
إذا كان من الطبيعي أن يثير الزلزال الذي ضرب منطقة الحوز هلعا ورعبا لدى كل من عايش لحظات اهتزاز الأرض تحت الأقدام، وتمايل الأسقف والجدران، وحزنا عميقا لمن فقد فردا من عائلته أو عدة أفراد، وتعاطفا من قبل المواطنين مع أسر الضحايا ترجم إلى تضامن واسع تجلى في تنظيم قوافل محملة بمساعدات إلى المناطق المنكوبة، وانخراط واسع في حملة للتبرع بالدم غير مسبوقة. غير أنه في ظل هذه الأجواء التضامنية، أبى البعض أن يشكل نشازا فيخرج معبرا عن فرح مضمر من خلال تدوينات أو فيديوهات يبث فيها حقده على المجتمع عبر تمرير تصور متخلف يرى في الزلزال الأخير رسالة من الله، إلى عباده لكي يثوبو إليه ويعودون عن غيهم وفسادهم، إنه إذن عقاب أنزله الله على العباد لعلهم يتعظون. وكم تبدو الشماتة في وجوه الحاملين لهذا الخطاب، شماتة تعكس نفسية مأزومة وحاقدة تعاني الإحساس بالتهميش، قدمت لهم كارثة الزالزال فرصة للانتقام والتشفي في الضحايا ومن خلالهم التشفي في المجتمع لأنه مجتمع لا ينضبط لأطرهم المرجعية في سلوكه ومعاملاته وفي نمط الحياة التي يسير عليه أغلبية أفراده. إن خطاب هذا البعض المهمش يركز دوما على تهديد الناس بالعقاب الإلهي، ولذلك ظهرت فرحتهم بكارثة الزلزال باعتبارها تشكل في نظرهم ذلك العقاب الذي طالما حذروا منه، وهاهي الكارثة تبرهن على صحة معتقدهم.
انهم في الحقيقة يلوذون بإيمان لم يقطع مع التصور البدائي للإله، إيمان قائم على الخوف من إله قاس وجبار منشغل دوما بالانتقام وإنزال أشد العقاب على العباد. كان الإنسان البدائي يرى في الظواهر الطبيعية من براكين وعواصف وزلازل تعبيرا عن غضب الله، ولذلك كان يتقرب إليه ويطلب غفرانه من خلال طقوس وقرابين حتى يسلم من غضبه ويفوز برضاه. هذا الإيمان البدائي هو الذي يسعى البعض إلى إحيائه وتكريسه، إيمان قائم على الخوف والرهبة الدائمة والإحساس المزمن بالذنب، يجعل صاحبه يعاني رهابا واضطرابا يصل حد الاكتئاب، لا يجد انسجامه إلا ضمن أقلية مجانين وحمقى الإله، بما هي أقلية تحسب ان على عاتقها إصلاح هذا الكون بهداية العباد إلى الطريق المستقيم بشتى الطرق والوسائل.
هكذا ومن منطلق هذا التصور الشاذ للدين والإيمان طلع على الناس ممثل معتزل، يعتبر أن عدد ضحايا الزلزال أكثر ارتفاعا بمراكش وأكادير لكثرة الفساد فيهما، علما أن من بين الضحايا عدد لا يستهان به من الرضع والأطفال الأبرياء، فأي ذنب أرتكبه هؤلاء؟ وحدهم المجانين والمخبولون من يقولون مثل ذلك دون حياء أوحرج. وهذا الجنون لا يقتصر على ذوي المستوى المتدني تعليميا، بل يمتد ليشمل مجموعة من الأساتذة الجامعيين، في دلالة على حجم الردة الحضارية التي هوت إليها مجتمعاتنا العربية والإسلامية، ردة يتساوى في سلمها الأمي والأستاذ الجامعي، فنكتشف للأسف أن زلزال الجهل والتخلف قد ضربنا منذ مدة قبل زلزال الحوز، وهو زلزال أكثر فظاعة لأنه أصاب العقول ولم يترك لها فرصة النهوض والانبعاث من جديد.